اعتقاد الإمام الثوري

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71] أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله, وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد: نتحدث عن اعتقاد الثوري رحمة الله عليه، قال له شعيب بن حرب أخبرني بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر أن القرآن غير مخلوق.

فأجابه الثوري فقال: القرآن كلام الله, غير مخلوق.

لم يعطه حديثاً صريحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولكن أجابه بعدة أحكام, مستقاة ومستنبطة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا فيه تلميح وإشارة من الجهبذ العالم الجليل أمير المؤمنين في الحديث: أن القصد والغرض المقصود من نصوص الكتاب والسنة هو الفهم, واستنباط الأحكام من دقة النظر في النصوص, ولذلك قال الله تعالى عن كتابه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82].

وقال الله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24].

وكان ابن مسعود يقول: يقرءون القرآن يهذونه هذ الشعر, أي: لا يتدبرون ولا يفهمون ولا يفقهون معانيه, وأصرح الأدلة التي توضح الغرض المقصود من النصوص النبوية أو النصوص القرآنية قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) أي: رب حامل فقه ليس بفقيه, وقال: (رب مبلغ أوعى من سامع) ولذلك أنكر المحدثون على يحيى بن معين شدة تحريه في التجريح والتوثيق وحفظ النصوص والأحاديث دون فقه معناها.

ويروى في ذلك أن يحيى بن معين كان مع محدث من المحدثين, فمرت امرأة فقالت: أأستفتيكم؟ فقالوا: سلي, فقالت: إن زوجي توفي ووصى أن أغسله, وإني حائض فهل أغسله؟ فقالوا لها: لا نعرف في ذلك شيئاً, فانتظري حتى يأتيك من يفتيك, فمر عليها أبو ثور الكلبي وكان فقيهاً شافعياً, فنظر في المسألة ودقق وقال: غسليه, فقد كانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها (ترجل شعر النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض) والميت يساوي الحي في الحرمة فغسليه، فلما سمع يحيى بن معين هذه الرواية قال: نعم هذه الرواية جاءتني من طريق فلان عن فلان عن فلان, ووقفت المرأة حتى سمعت جميع الطرق وحتى انتهى منها قالت: أين كنت لما سألتك؟! ولذلك عاب الإمام أحمد وعاب كثير من المحدثين على من يروي الحديث ولا يفقه معناه.

فالغرض المقصود تدبر المعنى واستنباط الأحكام من الأدلة, ولذلك نرى سفيان العالم الفقيه المحدث, من فقهاء المحدثين, له مذهب ولكن اندثر ومن فقهه أنه ما أجاب شعيب بن حرب بنص حديث بل أجابه بأحكام مستنبطة مستفادة مستقاة من كثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم, فكان أول الكلام أنه قال: القرآن كلام الله, ثم قال: غير مخلوق, ومن قال غير هذا فهو كافر.

فالقرآن كلام الله, قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة:6].

والشاهد قوله: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6]، فأضاف الكلام إلى الله جل وعلا, والمضاف إلى الله نوعان: مضاف معنى, ومضاف ذات, فالمضاف المعنى أن الصفة تضاف إلى الموصوف, ومن ذلك إضافة الكلام إلى الله: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] والكلام معنى، فهو ليس بجسم يمشي أمامك! فإذا أضيف إلى الله أو أضيف إلى أي أحد, كأن أقول: كرم محمد, فوصفت محمداً بالكرم؛ لأن هذا معنى.

فإذا قلت: كلام الله, أضفت الصفة هذه أو المعنى هذا إلى الله جل وعلا.

لكن عندما أقول: الكعبة بيت الله, والكعبة الآن نراها أمامنا قائمة بذاتها, فتضاف إلى الله إضافة تشريف.

وقالت النصارى: قال الله تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء:171] أي عيسى روح الله وهذه إضافة إلى الله جل وعلا, فاحتجوا بهذه الآية على أنه جزء من الله, حاشا لله! فنقول لهم: ماذا تفسرون قول الله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية:13] فهل كل ما في السماوات والأرض منفصلة عن الله جل وعلا أو جزء منه؟ لا أحد يقول: إنها جزء منه، بل حتى النصارى لا يقولون بهذا.

فنقول: كل ذات قائمة بنفسها إذا أضيفت إلى الله فإضافتها إلى الله إضافة تشريف.

قوله: (فهو كافر) يعني: من قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015