قال المصنف رحمه الله: [سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن إبليس خلق من خلق الله].
انتقل المصنف إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات أن إبليس خلق من خلق الله جل وعلا.
وقد سمي الجن بهذا الاسم لاجتنانهم -يعني: اختفائهم- ولأنهم أخفى ما يكون على الإنسان، قال الله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27].
والجن خلق من خلق الله جل وعلا، خلقوا قبل بني البشر، وهذه المدة حددها بعض العلماء بعشرين سنة أو أكثر، وهذا لا دليل عليه، والصحيح الراجح: أنهم خلقوا قبل البشر مع جهلنا للمدة، ويستدل لذلك بقول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:30]، فهذا قياس من الملائكة، وهذه دلالة على أن للملائكة عقولاً؛ لأن هناك من الناس من ينكر أن يكون للملائكة عقول، فهم قاسوا على ما سبق، كما فسر ذلك ابن كثير، حيث قاسوا البشر على من سبقهم من الجن، فالجن هم الذين أفسدوا في الأرض من قبل فقاسوا عليهم، وأيضاً في بعض الروايات التي يذكرها ابن كثير: أن إبليس طاف بآدم عليه السلام قبل أن ينفخ فيه الروح، فدخل من فيه وخرج من دبره، وقال: والله إنك لضعيف، لئن سلطت عليك لأهلكنك، ولئن سلطت أنت علي لأفتننك، فهذه دلالة على أنه مخلوق قبل أن يخلق آدم.
ومادة خلق الجن غير مادة خلق البشر، فقد خلقوا من مارج من نار، أي: من لهب مختلط بالسواد، قال الله تعالى: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر:27]، وقال جل وعلا في سورة الرحمن: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن:15]، قال بعض العلماء: هو اللهب المختلط بالسواد، وإبليس هذا هو سيد القائسين قياساً فاسداً عندما اعترض على ربه في السجود وقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء:61]، ثم بين العلة وقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12].
فمادة خلق الجن من نار، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلقت الملائكة من النور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما ذكر لكم)، فهذا تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم تصديقاً لكتاب الله: أن مادة خلق الجن من النار، ففيهم خفة، ولهم هيئات مختلفة، يعني: ليسوا كلهم سواء كبني البشر، ودل على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (الجن ثلاثة أصناف: فصنف يطيرون)، إذاً: لهم أجنحة يطيرون بها، فهذا صنف مختلف في الخلقة عن غيره، أو نقول: أصل الخلقة واحدة لكنهم يتهيئون أو يتكيفون بكيفيات مختلفة، قال: (وصنف حيات وكلاب)، وألحق شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا القطط السوداء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الكلب الأسود شيطان)، وقال بعض الفضلاء: إن الجن يمكن أن يتمثل في صورة الكلب، وقال: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الكلب الأسود شيطان) يعني: شيطان الكلاب، فالكلاب لهم شياطين كما أن للإنس والجن شياطين، وهذا مرجوح كما سنبينه.
قال: (وصنف يرتحلون ويظعنون) يعني: الصنف الثالث من الجن، يرتحلون ويظعنون، يعني: هم رحالة دائماً، فهذه أصناف الجن.
إذاً: مادة خلقهم النار، وأصنافهم مختلفة.