قال العلماء: يستحب صوم الكثير من هذا الشهر، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، أما البدعة فهي التي أصَّلها المبتدعة الذين يتبعون أهواءهم في ليلة النصف من شعبان، ففي ليلة النصف من شعبان ترى كثيراً من الناس يقيمون الليل، أو يصلون صلاة يسمونها صلاة الألفية، فيها أذكار مخصوصة وركوع وسجود وإطالة، يعني: كلام كثيرٌ جداً، وصلاة مبتدعة مخترعة يصلونها في هذه الليلة.
قال زياد القاضي عند ابن أبي مليكة: إن أجر ليلة النصف من شعبان -يعني: قيام ليلة النصف من شعبان- كأجر قيام ليلة القدر أنها خير من ألف شهر، فقال ابن أبي مليكة: لو معي عصا أو درة عمر لأوجعته ضرباً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤكد ذلك والصحابة لم يفعلوا ذلك، فهذه بدعة مميتة؛ لأن ليلة النصف من شعبان لا تقام بصلاة ولا بعبادة ولا باستغفار من أول الليل إلى آخر الليل، ولا يصام نهار النصف من شعبان، وهذه البدع كثير من الناس يعملها، وكثير من الناس ممن نعرفهم يصوم يوم النصف من شعبان، ويقيم هذه الليلة، وله بذلك أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إن الله جل وعلا ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان، فيغفر لكل أحد إلا المشرك أو المشاحن)، فهذا فيه إشكال أنه قد ورد بالأسانيد وإن كان فيها ضعف، لكن يعضد بعضها بعضاً في فضل هذه الليلة، فلها فضل، فإن كان لها فضل فلا بد علينا أن نجتهد في هذه الليلة التي لها الفضل، وكفى بفضلها أن الله جل وعلا ينزل نزولاً خاصاً، غير نزول كل ليلة في ثلث الليل الآخر، ينزل نزولاً خاصاً فيغفر لكل الناس الذين هم على الإيمان والإسلام، يغفر للمؤمنين والمسلمين، جميعاً إلا الكافر أو المشاحن الذي في صدره شيء من أخيه، أي: الذي هجر أخاه فوق ثلاث، وهذه الفضيلة تستلزم الاجتهاد في العبادة حتى يشملنا الله بعفوه وبمغفرته.
وهذا الإشكال ضعيف، لكن هذا الإشكال لا بد أن نرده بعلم؛ لأنهم أتوا بدليل يدل على فضل هذه الليلة، وهذا اليوم، فكيف نمنعهم من عبادة في يوم فيه فضل وليلة فيها فضل؟ هذا الحديث أسانيده ضعيفة، لكن يعضد بشواهده، وهو حسن لغيره، ويحتج به شيخ الإسلام ابن تيمية، وفيه: إن الله جل وعلا ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان يغفر لكل واحد، إلا المشاحن والكافر، لكن هذا حديث يشكل علينا نحن؛ لأنه قد ثبت فضل اليوم وثبتت فضل الليلة، فلا بد أن نجتهد حتى يشملنا الله جل وعلا بكرمه وعفوه وعطائه في هذا اليوم الذي فيه الفضل العميم.
أما رأيتم فضل السحر، وأن الله ينزل في السحر، فينبغي لك أن تقوم وتستغفر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟)، وفي رواية وفي رواية عند الطبراني قال: (هل من مستشف فأشفيه؟).
والرد على ذلك: أن فضل الليلة أو فضل اليوم لا يستلزم إنشاء عبادة، وهناك نظائر من الشرع في ذلك؛ لأنه لو كان خيراً لسبقونا إليه، وقد ثبت فضل ليلة الجمعة، وثبت فضل يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه مات وفيه تقوم الساعة)، وخير الأيام: هو يوم عيد المسلمين، وخير أيام السنة على مدار الأسبوع كله هو يوم الجمعة، بل ليلة الجمعة هي من أفضل الليالي، ومع ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إفراد يوم الجمعة بصيام، بل ونهى عن إفراد ليلة الجمعة بقيام، فهذا ثبت فضله وثبت النهي عن الاجتهاد في العبادة فيه، فلا يستلزم أصولياً لثبوت الفضل ثبوت العبادة، إذ إن الأصل في العبادات التوقيف، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، فهذه الشبهة ترد على أصحابها فنقول: ثبت الفضل ونحن مع الفضل ندور، لكن لا ننشئ عبادة؛ لأنه لو كان خيراً لسبقونا إليه، ولو كان خيراً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان خيراً لفعله أبو بكر، ولفعله عمر.
فهذه بدعة مميتة أيضاً من بدع شعبان، نربأ بأنفسنا أن نفعلها حتى لا نذادَ عن الحوض، وأي امرئ قد وقع في بدعة ضلالة، وقد بين له أهل السنة وأقام الحجة عليه من يعلم بهذه السنة ولم يتبع، فهذا مصدود مردود عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
وصلِّ اللهم وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.