أنواع الشفاعة

الشفاعة تنقسم إلى قسمين: شفاعة عامة، وشفاعة خاصة، فالشفاعة الخاصة: هي لنبينا صلى الله عليه وسلم، فلا يشترك معه أحد فيها، وتكون من الموقف الذي يشتد فيه الكرب، وتدنو فيه الشمس من الرءوس قدر ميل، ويغرق الناس في عرقهم، فمنهم من يصل العرق إلى كعبيه وإلى ساقيه وإلى ركبتيه وإلى حقويه وإلى صدره وإلى أذنه, ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، فلشدة وقع الكرب على الناس يذهبون إلى آدم فيقولون: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، ألا تشفع لنا؟ ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول آدم: نفسي نفسي، ثم يحيلهم إلى نوح فيقول: نفسي نفسي، ثم يحيلهم إلى إبراهيم خليل الرحمن، فيذهبون إلى إبراهيم، فيذكر كذباته الثلاث ويقول: نفسي نفسي، ثم يحيلهم إلى موسى، ومن ثم إلى عيسى عليه السلام، فيقول عيسى: نفسي نفسي، اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ فيذهبون إلى محمد صلى الله عليه وسلم الرءوف الرحيم بالمؤمنين فيقول: أنا لها أنا لها، وفي رواية: أمتي أمتي، قال: (فأذهب فأسجد تحت العرش، فأحمد الله بمحامد يعلمني إياها، فيقول الله: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع)، وهذه كرامة كبرى للنبي صلى الله عليه وسلم، للمقام المحمود الذي اختصه الله تعالى به؛ ليبين بذلك أنه سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم، وتكون هذه الشفاعة في أهل المحشر جميعاً حتى يقضي الله بين الخلائق، وهذه خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يشترك معه فيها أحد، وهو المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم فيما يقال بعد الأذان: (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته)، فإن الله يبعثه المقام المحمود في عرصات يوم القيامة.

ومن أنواع الشفاعة الخاصة به: الشفاعة في دخول أهل الجنة الجنة، فلا يدخل بشر الجنة حتى الأنبياء إلا بشفاعته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يطرق الباب -كما جاء في الحديث- فيقال: من؟ فيقول: محمد فيقال: ما أمرنا أن نفتح إلا لك، فلا أحد يدخل الجنة أبداً وإن كان من مستحقيها إلا بعد شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.

أما الشفاعة الثالثة الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم: فهي الشفاعة المستثناة لعمه، حتى إن إبراهيم عليه السلام لا يشفع لأبيه، فقد تبرأ منه لما رآه عدواً لله جل وعلا، أما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يشفع في عمه أبي طالب، فبعد أن كان في الدرك الأسفل من النار أصبح عليه نعل أو نعلان من نار يغلي منهما دماغه ومع ذلك يقول: ما رأيت أحداً أشد عذاباً مني في النار، وفي البخاري: (أن العباس جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعلت لعمك وقد كان يحوطك وينصرك؟ فقال: لولاي لكان في الدرك الأسفل من النار).

أما الشفاعة الرابعة: فهي مشتركة بين المؤمنين والملائكة والأنبياء والمرسلين، حتى إن الله جل وعلا يقول: (شفعت الملائكة وشفع المؤمنون وشفع الأنبياء, وبقيت شفاعة رب العالمين، فيقبض قبضة فيخرج من النار كل من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرة من الإيمان)، فهذه الشفاعة عامة يشترك فيها النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون والملائكة.

ومن هذه الشفاعات أيضاً: الشفاعة في أهل الكبائر، وهذا هو الشاهد وهو السياق الذي أورد من أجله أحاديث الشفاعة, فإنه يشفع لأهل الكبائر الذين يستحقون النار ولم يتوبوا من هذه الكبائر، وهذا قيد مهم جداً؛ لأنهم لو تابوا لما استحقوا العذاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

ودليل هذه الشفاعة قوله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: (لكل نبي دعوة مستجابة دعاها على قومه، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي) وفي رواية أخرى: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)، وفي بعض الروايات وإن كانت لا تصح إلا موقوفة يقول: (أتحسبونها للمتقين للمؤمنين؟) يعني: أن الشفاعة هذه لا تكون للمتقين والمؤمنين، قال: (لا، بل هي للمذنبين من أمتي) فالنبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الكبائر الذين استحقوا النار ألا يدخلوها ويدخلوا الجنة.

ومن الشفاعات أيضاً: أنه يشفع في أناس دخلوا النار وماتوا، كما في مسند أحمد، قال بالتصريح: (فيموتون فيصيرون حمماً ثم يؤخذون إلى نهر الحياة)، فهؤلاء أهل الكبائر الذين أدخلهم الله النار، بعدما عذبوا بكبائرهم فيموتون ويصيرون حمماً، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشفع فيهم، وتشفع الملائكة، ويشفع المؤمنون، فيخرجون من هذه النار ويدخلون في نهر الحياة فيخرجون ويدخلون الجنة، كما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آخر أمتي دخولاً الجنة من الذين يفعلون الكبائر فيموتون، ثم يلقون في نهر الحياة، فبعدما يخرجه الله يقول: رب أبعدني عن النار -يعني: أن لهيبها قد أصابه- فيبعده الله عن النار، فينظر فيجد شجرة يريد أن يستظل بها، فيقول: رب اجعلني تحت هذه الشجرة لأستظل بظلها، فيقول الله: ويحك يا ابن آدم! لو أعطيتك هذه لسألتني غيرها، فيعطي المواثيق والأقسام أنه لا يسأله غيرها، فما أن أجلسه الله تحت هذه الشجرة حتى نظر إلى أهل الجنة فاشرأبت عنقه)، وهو لا يستطيع الصبر ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يعقب على هذا ويقول: (وربك يعذره)؛ وهذه دلالة يستدل بها العلماء: أن الإنسان لو أقسم على غالب ظنه، ثم وجد الأمر مخالفاً لقسمه فإنه لا يحنث، وهنا يرى أهل الجنة يتمتعون وهو في الخلف فيقول: رب! قربني من هؤلاء، فيقول: (ويحك يا ابن آدم! أما أخذت عليك المواثيق ألا تسأل؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: وربك يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه)، فيقربه الله جل وعلا.

وهنا قاعدة مهمة: وهي أن الله جل وعلا إذا أراد شيئاً هيأ له سببه، فاستبشر خيراً، فإن أراد الله جل وعلا بك خيراً هيأ لك أسبابه، فجعلك تحضر دروس العلم، وجعلك تفعل ما يفعل المؤمنون المتقون، وجعل همك كله منصباً في كيفية إرضاء الله جل وعلا, وهنا أراد الله جل وعلا لهذا الرجل أن يدخل الجنة فطمعه فيها، فهو الكريم ولن يخيب من طمع في كرمه، وعند ذلك يريه الله الجنة فيقول: رب أدخلنيها فيدخله الله الجنة، ويعطيه مثل ملْك ملِك من ملوك الدنيا وفوقه عشر مرات بفضل الله ورحمته، فهؤلاء هم أهل الكبائر الذين يدخلون الجنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وبشفاعة المؤمنين والأنبياء والملائكة.

ثم بعد ذلك الشفاعة الخامسة والأخيرة: وهي شفاعته صلى الله عليه وسلم في أناس كانوا في درجة أقل في الجنة ليرتقوا إلى الدرجات العلى، ولم يكن عمله قد أوصله إلى هذه الدرجة العليا فيرتقي بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، كأن يكون دون الفردوس فيرتقي بشفاعة النبي إلى الفردوس.

وإذا كان الأب مثلاً في درجة عالية والابن في درجة أنزل منه فإنه يرتقي بشفاعة النبي إلى درجة الأب، أو العكس كما بين الله جل وعلا ذلك بقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:21] يعني: ما أنقصناهم من عملهم من شيء.

نسأل الله جل وعلا أن يجعل النبي صلى الله عليه وسلم شفيعاً لنا، وأن يشفع فينا الملائكة، ونسأله جل وعلا أن يقبلنا في الصالحين الموفقين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015