هذه البدعة المزرية قد انتشرت في أجوائنا، وكثير من الذين ينتسبون إلى أهل السنة والجماعة يتمذهبون بهذا المذهب مذهب المرجئة وإن كان خفياً، فيقولون بلازم هذا القول، فلا بد للتصدي لهذه البدعة والرد عليها، فنقول: أولاً: احتجاجهم بأن الأعمال ليست من الإيمان لقول الله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:17]، فقالوا: الإيمان في اللغة معناه التصديق، وهذه الآية دالة على ذلك، فإن كان الإيمان هو التصديق فالتصديق عمل القلب، وليس له بالجوارح أي علاقة، فالرد عليهم في ذلك أن نقول: أولاً: لا نسلم لكم بأن الإيمان في اللغة معناه التصديق، فإن الإيمان في اللغة يتعدى بنفسه، ويتعدى بالباء، ويتعدى باللام، فله ثلاثة معان في اللغة: يتعدى بنفسه فيكون بمعنى التأمين ضد التخويف، قال الله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:3 - 4]، وتقول: أمنته، ضد خوفته، فهذا معنى من معاني الإيمان في اللغة، ويأتي أيضاً متعدياً بالباء فيكون معناه التصديق، قال الله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى} [البقرة:136]، إلى آخر الآيات، آمنا بالله أي: صدقنا بالله جل وعلا، صدقنا بوجود الله، صدقنا بربوبية الله، صدقنا بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى، صدقنا بألوهية الله جل وعلا، وصدقنا برسول الله وبما جاء عن رسول الله، كما قال الشافعي: آمنت برسول الله، وبما جاء على لسان رسول الله، على مراد رسول الله، أي: صدقت بأن محمداً أرسل من قبل الرب جل وعلا، وأنه أوحي إليه بهذه الرسالة، وأن القرآن كلام الله جاءنا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فيتعدى بالباء فيكون معناه: التصديق الذي فرغتم كل هذه المعاني إلى هذا المعنى فقط.
ويتعدى باللام فيكون معناه الاتباع والانقياد والاستسلام تقول: آمنت لله، أي: استسلمت لله، استسلمت لأمر لله، وتقول: آمنت لرسول الله، أي: استسلمت لأمر رسول الله واتبعت شرعه، ودليل ذلك قول الله تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت:26] يعني: اتبعه لوط على ما هو عليه من الخير، فاستسلم له لوط وانقاد له.
فيكون الإيمان في اللغة له أكثر من معنى، فلا تسلم مقدمتكم.
ثانياً: نقول: نتنزل معكم ونقول: نحصر معنى الإيمان بالتصديق في اللغة ثم ننظر هل له معنى آخر في الشرع؟ فنجد أن الإيمان في الشرع معناه التصديق المستلزم للانقياد والاتباع والاستسلام، وإذا خالف التعريف في الشرع التعريف في اللغة قدم تعريف الشرع.
ونظير ذلك الصلاة، فإن الصلاة في اللغة معناها: الدعاء، لكن معناها في الشرع: أفعال مخصوصة في أوقات مخصوصة، فيقدم التعريف الشرعي على اللغوي، فإذا قيل لك: قم فصل ركعتين، فليس المعنى: قم فادع الله، إلا أن تأتي قرينة أحالت من مفهوم الشرع إلى مفهوم اللغة.
إذاً: مفهوم الشرع عندنا يقدم على مفهوم اللغة، ومفهوم الشرع هو التصديق المستلزم للانقياد، والانقياد هنا يكون بعمل القلب وعمل جوارح، وعليه تكون أعمال القلوب وأعمال الجوارح دخلت أيضاً في مسمى الإيمان.
ويمكن أن نرد عليهم أيضاً في تعريف اللغة وقولهم: بأن الإيمان التصديق، والأعمال لا تدخل في التصديق، فنقول: نسلم لكم بأن الإيمان في اللغة معناه التصديق، لكن من قال لكم: إن الأعمال تخرج من مسمى التصديق، نحن نقول بقولكم: الإيمان هو التصديق، وندخل الأعمال في التصديق، وعندنا دليل من الشرع في ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العين تزني وزناها النظر، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي) إلى آخر الحديث، ثم قال: (والفرج يصدق هذا أو يكذبه)، فالتصديق أيضاً على عمل الفرج وهو الوطء، وينسحب بعد ذلك على عمل اليد، وعمل العين.