الخوارج هم أهل الغلو والإفراط، ولذلك قالوا: إن مرتكب الكبيرة كافر، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن).
فدل هذا على نزع الإيمان من مرتكب الكبيرة.
فإن رددت عليهم بقول الله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53]، أو بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران:135]، فسوف يقولون لك: نحن نوافقك على ذلك، فصاحب الكبيرة إذا ذكر الله واستغفر وتاب قبلت توبته.
ولذلك لما كانوا في السجون إذا اغتاب أحدهم يكفر بذلك، ثم يخرج ويغتسل ويرجع تائباً إلى الله بعد ذلك، فكأنه تجدد دينه مرة أخرى, إذاً: فهذا لا يكفي في الرد عليهم، ولكن الجواب عليهم أن يقال لهم: لا نوافقكم على ذلك؛ لأن مراتب الدين ثلاثة: إسلام، وإيمان، وإحسان، فإذا أسقطتم الزاني من درجة الإيمان، فلابد أن ينزل إلى درجة الإسلام، لكنكم أنزلتموه من مرتبة الإيمان إلى الكفر، وهذا غير صحيح، فلكي يكفر العبد لابد أن ينزل من مرتبة الإحسان إلى الإيمان، ثم من مرتبة الإيمان إلى الإسلام، ثم يخرج من الإسلام إلى الكفر، وأنتم أخرجتموه من الإيمان إلى الكفر مباشرة، ولم تتدرجوا في مراتب الدين.
فالعاصي قد ينزل من دائرة الإيمان إلى دائرة الإسلام، فإن قالوا: ما دليلكم على ذلك؟ قلنا: دليلنا: أن المسلم هو الذي لا يخلد في النار، ومآله إلى الجنة، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق)، فالنبي صلى الله عليه وسلم أثبت له على الأقل أصل الإيمان الذي هو الإسلام، فالمسلم يدخل الجنة بأصل الإسلام وإن زنى وسرق، فالزنى والسرقة أسقطته من مرتبة الإيمان إلى الإسلام، لا إلى الكفر.
ولذلك قال بعض السلف: إذا زنا المرء رفع إيمانه كالظلة عليه، ثم إذا رجع إلى ربه نزل إيمانه إلى قلبه كما كان.
هذا هو الرد على النوع الأول من أدلتهم.