أيضاً: من الصفات التي تتعلق بالخيرية: تحكيم شرع الله، قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:49].
وقال سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44].
فتنحية الشرع شغب وخراب، والمؤمنون لما مكن الله لهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحكموا شرع الله جل وعلا، وأقاموا الحدود، وكانوا مثلاً رائعاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كان إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق فيهم الشريف تركوه، والذي نفسي بيده! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) فالنبي صلى الله عليه وسلم يقسم ويقول: والذي نفسي بيده لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها، تحكيماً لشرع الله جل وعلا، ولما سرقت المرأة المخزومية وأراد بعض الناس أن لا يُقام عليها الحد، وقام أسامة شفيعاً لها اشتد النبي على أسامة، ورد عليه بهذا الكلام: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يشتد على الناس تحكيماً لشرع الله جل وعلا، وكان يدخل على التجار؛ لأن هذا من الشرع، أي: المعاملة من الشرع ومن الدين، فيدخل عليهم عمر ويقول للتاجر: تعلمت البيوع؟ فيقول: لا، فيضربه بالدرة، ويقول: والله! ستقع في الربا لا محالة، وكان يذهب إلى أهله ويقول: إني آمر الناس بشيء فأنتم أول من تفعلوه، فإن تقاعستم جلدتكم.
وكان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه مطواعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، محكماً لشرع الله، يرى أن أمر الرسول لا بد له من النفاذ.
فالغرض المقصود: أن تنحية الشرع سبب ذلت الأمة، أخذت دستورها من الناس بدلاً من شرع الله جل وعلا، فحكمت القوانين الوضعية، فكانت النتيجة أنهم ذلوا وأهينوا وخسروا، والذي نفسي بيده! أن هذه الأمة لن تقوم لها قائمة إلا إذا رجعت إلى كتاب الله، وإلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم فحكمت شريعة الله، والله لا بالغناء ولا بالتمثيليات ولا بالمسرحيات، ولا بالعاطفة، ولا بالتبرعات، ولا حتى بالعمليات الاستشهادية إن كانت لغير الله جل وعلا، والله الذي لا إله إلا هو! لن تستمطر هذه الأمة رحمة الله ونصره حتى ترجع إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
ومن سمات هذه الأمة التي علقت الخيرية بها، أنهم كانوا أزهد الناس في الدنيا؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ازهد في الدنيا يحبك الله)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).
وقوله: (الدنيا ملعونة معلون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه).
وكان عود الحصير يؤثر على جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم.