الدلالة على رؤية المؤمنين ربهم في قوله تعالى: (رب أرني أنظر إليك)

ثبتت رؤية الله بالكتاب والسنة والعقل، وزيادة على ثبوت الرؤية بالعقل نقول: قال الله تعالى عندما سأله موسى: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143]، وفي هذه الآية دلالة عقلية ثابتة أثبتها العلماء على أن المؤمنين يرون الله جل وعلا بدليل العقل، من وجوه: الوجه الأول: أن موسى عليه السلام في زمانه هو أعلم عباد الله بالله جل وعلا، فلا يمكن أن يتجرأ أو يتعدى حدوده مع الله جل وعلا فيسأله أمراً فيه تعدٍ أبداً، تأدباً مع الله جل وعلا، وإذا كان الأمر كذلك فسؤال الموتى لله أن يروه جل وعلا ليس فيه تعدٍ بل هو ممكن، ولو لم يكن ممكناً لما سأله موسى عليه السلام من ربه.

الوجه الثاني: قد يقول قائل: إنه ليس بمتعدٍ على الله، وليس متعدٍ للأدب مع الله جل وعلا، لكنه لا يعلم أن هذا السؤال لا يسأل، أي: أنه سأله جهلاً منه، كما سأل نوح ربه إنقاذ ابنه فقد سأله جاهلاً، فيمكن لموسى أن يسأل الله جل وعلا رؤيته وهو جاهل بأن هذا تعدٍ وحرام، والرد عليهم سهل ويسير وهو: أن الله جل وعلا لا يقر على خطأ أبداً، فلو كان هذا تعدياً وخطأ وجهل من موسى عليه السلام لما أقره الله جل وعلا، ولأنكر عليه كما أنكر على نوح في قوله: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:46] وفي قراءة: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:46].

الوجه الثالث: أن الله جل وعلا علق الرؤيا على ممكن، ولم يعلقها على مستحيل فقال: {انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:143] ولكن موسى لا يمكنهُ الرؤيا في الدنيا لضعف بصره عليه السلام وضعف قوته على تحمل تجلي الله جل وعلا له، وذلك بالنظر والقياس، فموسى عليه السلام نظر إلى الجبل الشامخ الراسخ وعندما تجلى الله له أصبح كثيباً مهيلا، فكيف بموسى الضعيف هل يستطيع أن يصبر على تجلي الله جل وعلا له، ولذلك فإن موسى استغفر وعلم أنه لا يستطيع ذلك.

أما بصر الإنسان في الآخرة فيخبر الله عنه ويقول: {فََبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22] أي: له قوة يستطيع الإنسان أن ينظر بها إلى الله جل وعلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015