الصحابة الكرام هم أفضل الأمة على الإطلاق، بل هم خير البشرية بعد النبيين والمرسلين على الإطلاق، بنص كلام الله جل وعلا وبنص كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أنزل الله عدالتهم في كتابه، وبين النبي صلى الله عليه وسلم توثيقهم في نص حديثه، فهم الذين نصروا الله فنصرهم، وأعزوا الدين فأعزهم الله جل وعلا، ورفعوا راية لا إله إلا الله فرفعهم الله على الناس أجمعين، وحسبهم أنهم جابوا الأرض شرقاً وغرباً رفعاً لراية لا إله إلا الله.
وقد بين الله عِظَمَ قدر الصحابة في كتابه بقوله جل وعلا: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29].
وقال الله عنهم أيضاً: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:8 - 9].
فبين الله جل وعلا أن هؤلاء هم أفضل البشر، وأنهم يستحقون كلمة لا إله إلا الله، وهذا تعديل ليس بعده تعديل، ولذلك قال كل المحدثين على الإطلاق: الصحابة عدول، فأي حديث جاء عن صحابي ولم يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث صحيح لأنه مرسل، ومراسيل الصحابة مراسيل صحيحة؛ لأن كل الصحابة عدول بنص كلام الله تعالى حيث قال: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح:26]، أي كلمة لا إله إلا الله، ثم قال: {وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح:26]، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء هم خيرة البشر على الإطلاق، ولذلك كان محتم علينا أن نحترمهم، وأن نعرف قدرهم وأن نجلهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصحابي! الله الله في أصحابي! من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغض الله فقد آذى الله، ومن آذى الله أوشك أن يأخذه الله) أي: أن علامة حب المسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حبه لأصحاب رسول الله، وعلامة بغضه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغض الصحابة الكرام ولو ادعى وزعم أنه يحب رسول الله، فليسمع من لعنات الله جل وعلا تنزل عليهم تترى، ممن يسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليل نهار.
جاء في الصحيحين أن مشاجرة حدثت بين خالد بن الوليد وهو متأخر الإسلام وبين عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه وهو من المتقدمين في الإسلام، فسب خالد عبد الرحمن بن عوف، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ينزل الناس منازلهم ويعلم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وهم خيار الأمة إلا أن درجاتهم في الفضل متفاوتة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم زاجراً لـ خالد بن الوليد: (لا تسبوا أصحابي، والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، ومع إن خالداً صحابي ولكنه لا يستوي في الفضل مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه فكان قول النبي صلى الله عليه سلم هذا تعظيماً لقدر أصحابه.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه قال: (النجوم أمنة السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهبت الدنيا وذهبت السماء، وأنا أمنة لأصحابي فإذا قبضت -يعني: ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم- أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا قبض أصحابي أتى الأمة ما توعد).
وهذا مصداق لحديث أنس رضي الله عنه وأرضاه حيث قال: (ما يأتي زمان إلا والذي بعده أشر منه)، وما زلنا نتنزل في الشر، فكان كل زمان يذهب ببعض الخير ويبقى الشر، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ساق بشرى لطائفة من متأخري هذه الأمة فقال: (أمتي كالمطر لا يدرى الخير في أولها أم في آخرها)، ومما سبق تبين أن أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة الكرام.