قال: [وفي تفسير الزيادة والنقصان يقول عمير بن حبيب: الإيمان يزيد وينقص، قيل له: ما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه وسبحناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا فذلك نقصانه]، وهذا يدل على أن العمل من الإيمان.
قال ابن رواحة وابن عمر وابن مسعود ومعاذ وعمر وغيرهم: إن الزيادة هي ذكر الله تعالى، والنقصان ضد ذلك، وهذا قد ثبت عن غير واحد من السلف.
أما أقوال التابعين فقال كعب: [من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وسمع وأطاع توسط الإيمان]، يعني: بلغ في الإيمان وسطه ونصفه.
قال: [ومن أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان]، فهذا يدل على أن الإيمان له أصل ووسط وكمال.
أصل: وهو لا يمكن أن يقبل من عبد أن يأتي الله بغيره، وهناك فرق بين مطلق الإيمان والإيمان المطلق، فالإيمان المطلق هو الكامل، ومطلق الإيمان هو أصل الإيمان، هذا لا بد أن يكون موجوداً مع كل إنسان مسلم.
ولما قال الله تبارك وتعالى للأعراب: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14]، يعني: إسلام ليس معه أي إيمان لا يمكن أن يقبل منه؛ ولذلك لو قال إنسان بلسانه فقط دون أن يعتقد بقلبه ما يقول: آمنت بالله ورسوله، لو قالها بلسانه ولم يكن لها ظل في قلبه ولا رصيد في قلبه لا يقبل ذلك منه عند الله، وهو منافق؛ ولذلك قالها المنافقون في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وقبلت منهم وعوملوا على أنهم مسلمون، ولم يقتلهم النبي عليه الصلاة والسلام، مع أنه عرفهم بأعيانهم وأسمائهم وذواتهم، بل وأخبر بعض أصحابه بأعيانهم، ولذلك لما نصح عليه الصلاة والسلام أن يقتلهم حيث عرفهم، قال: لا، مخافة أن يتحدث الناس غداً أن محمداً يقتل أصحابه، صناديد الشرك يعرفون أن عبد الله بن أبي ابن سلول هو رأس المنافقين؛ لأنه لا تزال الصحبة بينه وبينهم قائمة، لكن لو أن النبي عليه الصلاة والسلام قتلهم فإن هؤلاء على الأقل سيقولون: ألم نقل لكم: إن محمداً يقتل المسلمين، فقد قتل عبد الله بن أبي ابن سلول، رغم أنه كان يصلي ويصوم ويجاهد معه، فما الداعي في قتله؟ ألم نخبركم من قبل أن محمداً يقتل أصحابه؟ إذاً: هذا باب من أبواب الصد عن دين الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك قتل هؤلاء لأجل المصلحة العامة، وهي مصلحة الإسلام.
وكذلك قال عليه الصلاة والسلام لـ عائشة: (لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم) والمعنى: أن نقض الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم هو الأولى، وهذا من المصلحة الشرعية، لكن المصلحة الخاصة هي ألا يقول المشركون والمنافقون والملحدون في زمانه: أرأيتم الكعبة معظمة ومشرفة قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، ألم تكن معظمة عند أهل الجاهلية؟ هذا محمد بعدما سفه أحلامنا وجعل الآلهة كلها إلهاً واحداً، رجع إلى الكعبة وهدمها، وأنتم تعرفون أنها معظمة ومشرفة.
قال كعب: من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله فقد استكمل الإيمان.
وقال: ما نقصت أمانة عبد قط إلا نقص إيمانه؛ ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا إيمان لمن لا أمانة له) يعني: أنه إنسان خائن للأمانة دائماً يبقى معه أصل الإيمان الذي هو مطلق الإيمان، أما كمال الإيمان وتمامه فلا، حتى يكون أميناً، ويتعلم كيف يكون مؤتمناً على ما كلف بحفظه ورعايته، ففي الحالة هذه يزداد إيماناً.
قال: [وقال الحسن في قوله تعالى: {َمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:22] قال: ما زادهم البلاء إلا إيماناً بالرب، وتسليماً للقضاء].
وبعض الناس ما زادهم البلاء إلا تسخطاً على الله عز وجل وعلى شرعه وقدره، أما أهل الإيمان فما زادهم البلاء إلا إيماناً بالله، لما ينزل على أحدهم البلاء يكون مثل الذهب الذي أدخل النار، فيصير خالصاً؛ ولذلك لا بد من الابتلاء.
إذاً: القضية كلها متعلقة بك أنت وليس بالغير.
أسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال والأقوال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.