قال: [وعن إدريس بن عبد الكريم المقرئ قال: سأل رجل من أهل خراسان أبا ثور عن الإيمان]، وأبو ثور إمام كبير من الأئمة الفقهاء، وللأسف الشديد لا تعرفون مذهبه! قال: [سأل رجل أبا ثور عن الإيمان ما هو؟ وهل يزيد وينقص؟ وهل هو قول وعمل؟ فأجابه أبو ثور فقال: اعلم يرحمنا الله وإياك]، وهذا من المستحب أن يبدأ الإنسان بالدعاء لنفسه قبل الغير، فلا ينبغي أن يقول: يرحمك الله وإيانا.
قال: [أن الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح]، وانتبه لهذه الوصية فإنها وصية جامعة، وفيها مناقشة عقلية رائعة.
قال: [اعلم أن الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، وذلك أنه ليس بين أهل العلم خلاف في رجل قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن الله تعالى واحد، وأن ما جاءت به الرسل حق وأقر بجميع الشرائع، ثم قال: ما عقد قلبي على شيء من هذا ولا أصدق به، أنه ليس بمسلم].
يعني: ليس بين أهل العلم خلاف أن هذا ليس بمسلم، هل قد سمعتم مثل هذا الكلام أيها الإخوة؟ فهذا الإنسان علم أو اعترف، ولم يستقر ذلك في قلبه، فليس بمسلم.
قال: [وأنه ليس بين أهل العلم قط خلاف في أن من قال ذلك ليس بمسلم، ولو قال: المسيح هو الله، وجحد أمر الإسلام، ولم يعتقد قلبه على شيء من ذلك أنه كافر في إظهار ذلك وليس بمسلم]، وهذا كلام جميل.
في الصورة الأولى يقول: أنه أقر بما يجب عليه أن يقر به بلسانه، ولم يعقد قلبه على ذلك ليس هو بمسلم، بل هو منافق.
وفي الصورة الثانية: أنه أقر بأن المسيح هو الله، وقال: إياكم أن تصدقوني أنا أضحك فقط؛ لأني في قرارة نفسي لا أعتقد أن المسيح هو الله، أرأيتم كيف أن هذه الصورة عكسية؟ في الصورة الأولى أقر بالإيمان بلسانه ولم يعتقده بجنانه، فهذا ليس بمسلم.
والصورة الثانية: أتى ما يستوجب الكفر وهو قوله: إن المسيح هو الله، وإن لم يعتقد ذلك في قلبه فلنا نحن الظاهر، والظاهر في الصورتين الكفر؛ لأنه لما أقر بالإيمان بلسانه، رجع مرة أخرى فأقر بلسانه وسمعناه يقول: أنه لم يعتقد شيئاً من هذا كله، وحكمنا عليه بالكفر؛ لأنه لما أقر بالإيمان رجع مرة أخرى فأنكره، وقال: لا تصدقوا أني أصدق شيئاً من هذا ولم يستقر منه شيء في قلبي.
والصورة الثانية: نطق بالكفر، وهو قوله أن المسيح هو الله، وأنكر شرائع الإسلام، فمثلاً تقول له: صل يا فلان، يقول لك: صلاة ماذا؟ وما هذه الصلاة؟ أنترك أعمالنا ونذهب إلى هذه الصلاة؟ أتظن أننا غير مشغولين؟! أو تقول له: زك يا فلان، فيقول: ولمَ أزك؟ والنبي قد مات، وكلما تكلمه في فريضة من فرائض الإسلام ينكرها ويركض كالحمار، ومع هذا يقول: المسيح هو الله، أو ابن الله، هذا لا يكون مسلماً، فالذي لا يكفره يكون كافراً.
قال: [ولو قال: المسيح هو الله، وجحد أمر الإسلام، قال: لم يعتقد قلبي على شيء من ذلك أنه كافر بإظهار ذلك وليس بمؤمن.
فلما لم يكن بالإقرار إذا لم يكن معه التصديق مؤمناً، ولا بالتصديق إذا لم يكن معه الإقرار مؤمناً حتى يكون مصدقاً بقلبه مقراً بلسانه] يعني: الإقرار باللسان لا يكفي، وجزم القلب وتصديق القلب بذلك مع عدم الإقرار وإمكانية الإقرار، هو كذلك ليس بمسلم.
قال: [فإذا كان تصديق بالقلب وإقرار باللسان كان عندهم مؤمناً]، فإذا كان إقرار باللسان وتصديق بالجنان -أي: بالقلب- كان عند البعض مؤمناً.
قال: [وعند بعضهم لا يكون حتى يكون مع التصديق عمل، فيكون بهذه الأشياء إذا اجتمعت فيه مؤمناً.
فلما نفوا أن الإيمان شيء واحد وقالوا: يكون بشيئين في قول بعضهم وثلاثة أشياء في قول البعض الآخر لم يكن مؤمناً إلا بما اجتمعوا عليه]، يعني: البعض قالوا: إذا أقر بلسانه واعتقد بقلبه فهو مؤمن، والبعض الآخر قالوا: هذا الذي يقر بلسانه ويعتقد بقلبه والجوارح تصدق ذلك، بأن يعمل بمقتضى الإقرار والتصديق هذا الذي يكون مؤمناً.
والذين قالوا: إن المؤمن هو من أقر بلسانه وصدق بقلبه وفرط في العمل أو لم يعمل لا يختلف مع من يقول بوجوب العمل وهذا هو الإيمان، يعني: الذي يقول الآن بعدم وجوب النقاب، هل يقول بعدم الاستحباب؟ فنفي الوجوب لا ينفي الاستحباب.
فالذي ينفي شيئاً يثبت ما هو دونه من دون الوجوب ويثبت ما هو فوقه من باب الاستحباب، فالذي يقول: إن النقاب ليس بواجب على المرأة، يقول: ولو انتقبت لكان ذلك أفضل.
إذاً: ينفي الوجوب لأجل الاستحباب، فالذين يقولون: الإيمان يثبت بالإقرار باللسان والتصديق بالقلب، هم من باب أولى يثبتون الإيمان بالدرجة الأولى لمن جمع إلى هذين العمل، فيتفقون مع من يوجب العمل، لكن يختلفون في مسألة واحدة أن هذا العمل شرط أم ليس بشرط؟ القول الأول: العمل ليس شرطاً في الإيمان، والثاني: العمل شرط في الإيمان، لكنهما يجتمعان في أن العبد إذا عمل لكان هذا إيماناً.
قال: [فلا ندع ما اجتمعوا عليه لما اختلفوا لها]، يعني: إذا كان هذا إيماناً فلا ندع ما اجتمعوا عليه من لزوم العم