لما كان الإخلاص عملاً قلبياً وكذلك الزكاة والصلاة عمل من أعمال الجوارح جمع الله تبارك وتعالى العبادة في آية واحدة مما يدل على أن الإيمان يشمل عمل القلب وعمل الجوارح.
وقال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف:110]، أي: يؤمل أن يلقى الله تبارك وتعالى أحسن لقاء، {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110].
أما قوله: ((وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)) فهذا يدل على شرط الإخلاص لله عز وجل وعدم الشرك به في القول والعمل، وهذا قوله: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف:110] أي: فليعمل عملاً مستقيماً من صلاة وزكاة وصيام وحج وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وكل ما سوى ذلك من عمل شرعي يعمله الإنسان على وجه الصلاح، ووجه الصلاح لا يكون إلا باتباع النبي عليه الصلاة والسلام، وعدم إدخال الزيادة على العبادة، كما أنه لا يجوز له أن ينقص منها.
لابد أن يكون العمل الصالح مستقيماً على منهاج النبي عليه الصلاة والسلام بغير زيادة ولا نقصان، فالزيادة كالنقصان بدعة سواء بسواء.
أما عدم الشرك بالله عز وجل وهو الشرط الثاني من شرطي قبول العمل عند الله عز وجل، قال الله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:158]، هذا هو محل الشاهد.
والخير هنا بمعنى: العمل الصالح من الطاعات التي فرضها الله عز وجل على العباد، والعبد الذي يأتيه بعض آيات ربه وهو الموت في ساعة الاحتضار يتمنى ويقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100]؛ لأنه يرى الحقائق في لحظة موته عياناً بياناً، فحينئذ يستبشر بلقاء الله عز وجل إذا كان من أهل الصلاح، أو يسوءه لقاء الله عز وجل وهو على هذا الحال، وفي هذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)؛ لأن العبد إذا كان من أهل العمل الصالح بشر بمقعده من الجنة، ورأى مقعده من النار؛ لأن كل إنسان أعد الله تبارك وتعالى له مقعداً في النار ومقعداً في الجنة.
فالعبد الصالح في لحظة الاحتضار يرى مقعده من النار، والملائكة تبشره وتقول: يا فلان هذا مكانك من النار أبدلك الله تبارك وتعالى به مكانك في الجنة وهو هذا فانظر إليه، فحينئذ يستبشر ويفرح بلقاء الله عز وجل، فالله تبارك وتعالى يرضى ويفرح بلقائه، وهو يفرح بلقاء الله عز وجل.
وكذلك العبد السيئ الذي لم يعمل صالحاً، أو لم يكن لديه عمل يؤهله لدخول الجنة يرى مكانه من الجنة، والملائكة تبشره بالعذاب والسوء، فيقولون: يا فلان هذا مكانك في الجنة، ولكن الله أبدلك به مكاناً في النار فانظر إليه، فحينئذ يكره لقاء الله فيكره الله تعالى لقاءه.
فهنا لابد أن يجمع العبد في قلبه إيماناً، هذا الإيمان يترجم ترجمة عملية في أداء الطاعات واجتناب المنهيات، والنبي عليه الصلاة والسلام في مرض موته لما نزل إليه ملك الموت وبشره بالرفيق الأعلى، وما من نبي قبض إلا خير بين البقاء والقبض، وهذه علامة من علامات موت الأنبياء، فلما بشره ملك الموت بالرفيق الأعلى قال: (يا محمد أتبقى؟ قال: بل الرفيق الأعلى)، فعلمت ابنته فاطمة رضي الله عنها -وكانت تحضر وفاته- أن أباها يحتضر صلى الله عليه وسلم.
قال: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:158]، يعني: أتت من الأعمال الصالحة ما يؤهلها لهذا الخير.
وحديث الأعرابي لما عد عليه النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال، وهو حديث في الصحيحين طويل معروف يقول: يا رسول الله! ماذا علي من الصلاة؟ ماذا علي من الصيام؟ ماذا علي من الحج؟ ماذا علي من الزكاة؟ فكل مرة يقول: هل إذا فعلت ذلك فأنا مسلم صادق؟ قال: نعم.
ثم قال: بأن الإيمان يزيد وينقص، وهو قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان، وهذا مذهب الصحابة من تقدم ذكرهم في الرواية وغيرهم كـ عمر وعلي ومعاذ وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء وجابر بن عبد الله وغيرهم كثير، يعني: هذا مذهب السلف جميعاً.
وكذلك من التابعين الحسن وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم ومجاهد وهشام بن حسان و