الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: [سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الإيمان تلفظ باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح].
وهذا معتقد أهل السنة والجماعة في الإيمان؛ ويتكون من ثلاثة أجزاء: الجزء الأول: وهو واجب اللسان، فلابد من التلفظ بالشهادة لمن كان قادراً عليها، ثم ما تلفظ به يعتقده ويقر به جازماً بذلك قلبه، ثم يعمل بمقتضى ما تلفظ به وما استقر في قلبه سواء كان ذلك من عمل القلب أو من عمل الجوارح.
هذا معتقد أهل السنة والجماعة: أن الإيمان لفظ باللسان، أي: النطق بالشهادتين، واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، فمن اعتقد ذلك اعتقاداً جازماً وعمل بمقتضاه، ولكنه لم يتلفظ فإنه ليس مؤمناً، بل ليس مسلماً، ومن تلفظ ولكنه كره ما تلفظ به ولم يعمل بمقتضاه فإنه ليس مسلماً، بل هو كافر، فمن تلفظ بالإيمان وجزم بذلك قلبه ثم قصر في العمل فعنده من الإيمان على قدر ما عنده من العمل، وعنده من النفاق والفسق على قدر ما فيه من تقصير في العمل.
على اختلاف بين أهل العلم في الأعمال المكفرة من غيرها، ومن الأعمال القلبية ما يجعل صاحبه كافراً، ومنها ما يجعله صادقاً، فذكر أن الذي يبغض الله تعالى أو يبغض رسوله صلى الله عليه وسلم أو يبغض الشرع، وإن أقر بلسانه وصام وصلى وزكى وحج فإنه عند الله كافر، وإن كان حكمه في الدنيا أنه مسلم؛ لأنه أتى بالشهادتين، لكنه عند الله تعالى كافر لبغضه لشرعه.
ومن عرف الإيمان بأنه معرفة الله عز وجل فقط، فهو جهمي، فإن الجهمية قالوا: الإيمان هو العلم.
إبليس عليه لعنة الله كان يعلم أن الله تعالى واحد، ولا يخفى عليه وحدانية الله عز وجل، بل أبو طالب لما دعاه النبي عليه الصلاة والسلام في مرض موته إلى أن ينطق بالشهادتين قال: إني لأعلم أنك على الحق، لكني أخشى أن تعيرني نساء قريش، يعني: هو كان يعرف ذلك.
فالإيمان ليس هو المعرفة فحسب ولا هو اليقين فحسب، بل هو عند أهل السنة والجماعة مجموع من ثلاثة: إقرار باللسان وهو نطق بالشهادتين، واعتقاد بالقلب، ثم عمل يصدق الإقرار والاعتقاد الجازم.