ذكر المؤلف رحمه الله منهجه في مقدمته، وبين الطريقة التي سيتبعها في التأليف وهي: أولاً: أنه لم يبدأ في تأليف هذا الكتاب حتى تصفح عامة كتب الأئمة الماضين، وعرف مذاهبهم ومناهجهم، ولم يأل جهداً في تصنيفه.
لذا فمن أراد أن يصنف وأن يكتب وأن يضع السواد على البياض فينبغي إن كان سلفياً حقاً، ومتبعاً لا مبتدعاً، ومتأنياً لا متسرعاً، أن يعلم أن مذهب أهل العلم أنهم ما وضعوا السواد في البياض -أي: ما وضعوا قلماً في ورقة- إلا على هذا النحو.
فهو رحمه الله تعالى لم يبدأ في تأليف هذا الكتاب حتى قرأ في هذا الباب كتب من سبقه، وعرف مذاهبهم ومناهجهم، ولم يأل جهداً في تصنيفه.
أي: لم يتعجل في تصنيف هذا الكتاب، وإنما بذل فيه جهداً مشكوراً، والمتصفح لهذا الكتاب يعلم ذلك جيداً.
ثانياً: أنه فصل المسائل الخلافية.
ومعلوم أنه تكلم في المسائل الخلافية بكلام مفصل، وبين المحدث لكل مسألة.
أي: المبتدع لكل مسألة ثلاثية.
ومعلوم أنه لا يتكلم عن الخلافيات في الفقه، وإنما يتكلم عن خلاف أهل العلم في مسائل الاعتقاد، فهو يذكر المسألة التي خالف فيها الخلف مذهب السلف، ويبين من أحدث هذه البدعة أولاً، ثم من تبعه إلى زمانه.
وكذلك تكلم عن الفترة الزمنية التي أحدثت فيها تلك البدعة.
ثالثاً: الاستدلال على صحة مذهب أهل السنة والجماعة بالقرآن الكريم.
رابعاً: فإن لم يجد فمن السنة.
خامساً: فإن لم يجد فيهما ولا في أحدهما استشهد بقول الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وهذا يدل على حجية كلام الصحابة رضي الله عنهم، ولذلك يقول الإمام ابن القيم عليه رحمة الله تعالى: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول سفيه سادساً: فإن لم يجد عنهم فعن التابعين لهم بإحسان.
سابعاً: ثم أخبر أنه لم يسلك فيه طريق التعصب على أحد من الناس.
فهذه كلها مناهج سلفية، وكلها مذاهب لأهل السنة والجماعة، ولذلك لأهل السنة والجماعة معالم إذا توفرت في المرء عد منهم، وإذا لم يتصف بها المرء لم يكن منهم، أو كان بعيداً منهم على قدر بعده من منهجهم ومعالمهم.
قال: [هذا هو المنهج المكتوب].
وهناك جانب آخر منه اتبعه المؤلف ولم يذكره وهو: أولاً: أن المؤلف اهتم بالجمع فقط من غير تمحيص للأحاديث والآثار التي أوردها، وإن كان قد أوردها بأسانيدها فإنه لابد من ذكر درجتها من الصحة أو الضعف، وخاصة وهو محدث حافظ؛ لأنها تمس أهم جوانب الدين، وهو جانب الاعتقاد.
وكان هذا مأخذاً أخذه المحقق على المؤلف، وهو في الحقيقة عند عرض هذا الكلام على أصول أهل السنة لا يكون انتقاصاً، فهو يريد أن يقول: إن المؤلف هنا اهتم بقاعدة التقميش التي يقول بها المحدثون، وقاعدة التقميش إذا كنت في موطن أو في محل الكتابة فينبغي أن تأخذ عن كل أحد، وأن تكتب عن كل من هب ودب، وأما إذا كنت في موطن التصنيف، وفي موطن التعليم لغيرك فإنه ينبغي أن تفتش في هذه المجموعات، ولا تحدث إلا بأحسنها وأفضلها.
والمؤلف رحمه الله تعالى كتب في كتابه كل ما وقع إليه في الباب أو في المسألة، سواء كان صحيحاً أو ضعيفاً.
وفي الحقيقة هذا لا يعد كبير عيب؛ لأن قاعدة أهل الحديث أن من أسند نصاً فقد برئ من عهدته، فهو يروي هذه النصوص مسندة، وإذا كان هذا الصنيع في هذا الكتاب فما الحرج عليه بعد ذلك؟ وكأنه أحالك إلى البحث في أحوال الرواة الذين رووا مثل هذا الحديث أو هذا الأثر، وهذا صنيع كثير من الأئمة قبل هذا الإمام وبعده، ولم يعب عليهم ذلك أحد.
ثانياً: أن المؤلف يعرض الاعتقاد ثم يذكر أدلته سرداً من غير تعليق أو شرح.
أي: أنه يتكلم في أصل المسألة التي يريد أن يتكلم فيها، ثم يتكلم بعد ذلك في الأدلة، فيسرد أدلة هذه المسألة، مثل الإمام الطبري في تفسيره، حيث يأتي على الآية ويقول: هذه الآية اختلف في تأويلها على نحو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أقوال.
ثم يقول: والقول الأول كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، وأدلة القول الأول كذا وكذا، وهكذا ويذكر بعد ذلك أقوال الصحابة والتابعين وأتباع التابعين مسندة إلى زمانه، منها الضعيف ومنها الصحيح، بل ومنها الموضوع، ولا يعد هذا عيباً في الكتاب، ولعل المؤلف رحمه الله معذور في ذلك لكثرة النصوص الواردة، إذ لو اتبع هذا المنهج لتضخم الكتاب جداً.
وعلى أي حال لا يعد هذا عذراً للمؤلف إذا ألزمناه بالشرح والبيان، فكم من كتاب ضخم لم يمل منه أهل العلم.
ثالثاً: أن المؤلف لم يذكر المذاهب المخالفة في المسألة التي يوردها إلا في أماكن قليلة جداً كما في مسألة: (الاسم والمسمى).
أي: الاسم والمسمى لله عز وجل، هل هو واحد أو أن الاسم هو المسمى؟ ستأتي هذه المسألة بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
والمؤلف رحمه الله تعالى إذا أراد أن يتكلم في المسألة لا يذكر المناهج المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، وهذا أيضاً لا يلزمه، وقد تكلم أهل العلم في حديث افتراق الأمة: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافت