بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وبعد: فالذي يقرأ الأدلة من الكتاب والسنة، ويعرف كلام أهل العلم في تارك الصلاة يكاد يحار ويتوقف في حكم تاركها ولا يجزم بأمر منهما، وهل هو كافر خارج من الملة، أو أنه فاسق بتركه للصلاة؟ ولاشك أن من قال بعدم كفره كفراً اعتقادياً يثبت له الكفر العملي، بل هو عنده من أخبث الناس، يعني: أنه يثبت له أخطر درجات الكفر، وذهب كثير من السلف خاصة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام والتابعين والأئمة المتبوعين إلى كفر تارك الصلاة كفراً أكبر يخرج به صاحبه عن ملة الإسلام.
والناظر في الأدلة يكاد يرجح جانب الكفر الاعتقادي على جانب الكفر العملي، يعني: يكاد يرجح أنه خارج عن ملة الإسلام، والأدلة تشهد بهذا.
والعلماء الذين لم يكفروه أولوا هذه الأدلة وصرفوها عن ظاهرها، وإن شئت فقل: رجحوا صرفها وتأويلها بغير مرجح.
وهذه المسألة ما جزمت فيها إلى يومي هذا بحكم من الاثنين، هل هو كافر حقاً ويخرج من الملة، أو أنه فاسق فسقاً عظيماً جداً لكن لا يخرج من الملة.
وكثيراً ما ذهبت إلى كفره ثم رجعت، ثم عدت إلى تكفيره ثم رجعت؛ وهذا لغلبة كل من القولين على الآخر، وإن كان في كل مرة يترجح لدي كفره، وما ذهبت إلى كفر تارك الصلاة إلا من تركها بالكلية، وأما من تركها ثم عاد إليها ثم تركها ثم عاد إليها -يعني: يصلي تارة ويقطعها تارة- فهذا يرفع عنه حكم الكفر، ولا خلاف عندي في أن هذا من أفسق الناس، وأما كونه كافراً فلا، وأما من تركها بالكلية ولم يصل قط فالذي يترجح لدي أنه كافر خارج عن ملة الإسلام.
وأنت إذا اطلعت على أدلة القائلين بكفره وعدم إسلامه فلابد أن تقف إذا كنت صاحب علم، ولست متبعاً للهوى، وإن لم تقف فستجزم بكفره؛ لأن الأدلة الواردة عن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم كلها قاضية بكفره، فالإمام أبو القاسم اللالكائي يذهب في هذا الكتاب إلى كفر تارك الصلاة، وذهب غير واحد ممن صنف في السنة إلى كفر تارك الصلاة؛ لأن الله تعالى ذكر أن الصلاة من الإيمان، فهي ليست من أعمال الجوارح فحسب، وإنما هي من أصول الإيمان.