قال الله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14]، أي: الإسلام باق لكم، وأما الإيمان الذي تزعمونه وتدعونه فإنه شيء آخر لم تكسبوه بعد.
{وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14]، أي: فهذا غير موجود الآن، وليس معنى ذلك أن الإيمان لم يوجد منه شيء قط في قلوبهم؛ لأن الإيمان قول وعمل، والعمل إما بالقلب وإما باللسان والجوارح، والقول هو إقرار العبد بلا إله إلا الله محمد رسول الله، وإقراره بالله وملائكته وكتبه ورسله، وبالقدر خيره وشره، فإذا آمن العبد بهذا فقد آمن بأصول الإيمان.
أي: تمسك بأصول الإيمان.
وأما كمال الإيمان ونقصانه فهذا محله الطاعات التي فرضها الله عز وجل على العباد من الفرائض والواجبات والسنن والمستحبات وغير ذلك، فكلما اجتهد فيها العبد وأداها على أكمل وجه كلما ازداد إيمانه، وكلما قصر في شيء من ذلك فقد قصر في شيء من تمامه وكماله، وهذا يعني أن المسلم لابد أن يكون عنده شيء من الإيمان، ولذلك أهل العلم يفرقون بين مطلق الإيمان والإيمان المطلق، فالإيمان المطلق: هو الإيمان الكامل الشامل، وهو تمام الإيمان وكماله وزيادته إلى أقصى حد، وأما مطلق الإيمان فهو أصل الإيمان.
والإيمان له قاعدة وجذور، وله فروع، فأصل الإيمان موجود مع من دخل في دين الله -أي: في الإسلام- ولو بمجرد النطق بالشهادتين، واستقرار هذا الأصل الإيماني محله القلب.
فالإيمان الآن له أصل وله فروع، فالأصل موطنه القلب، وهو أنه إذا نطق بالشهادتين صدق هاتين الشهادتين وآمن بهما، وأحبهما وعلم معناهما، وهو على استعداد كامل لأداء ما أوجبته هذه الكلمة، وكل هذا محله القلب، ويسمى إيماناً، فالمسلم معه أصل الإيمان، ثم يأتي بعد ذلك بالطاعات التي هي عمل الجوارح، فكلما ازداد المرء منها ازداد من الِإيمان بفروعه وجذوره وأصوله، فكلما ازداد العبد من الطاعات ازداد إيمانه ويقينه بالله عز وجل، وكلما نقص نقص إيمانه، حتى إذا ترك العمل بالكلية خرج من إيمانه بالكلية إذا خرج من أصل هاتين الكلمتين، وهما: الشهادتان.