قال: [وقال محمد بن كثير العبدي: سمعت سفيان الثوري يقول: إن الرجل ليعبد الأصنام وهو حبيب الله].
وليس هو حبيب الله في وقت عبادته للصنم، وهذا معلوم بداهة، وإنما هو حبيب الله لأن الله تبارك وتعالى قدر أن هذا العبد سيتوب وسيعبد الله تبارك وتعالى.
فـ عمر رضي الله عنه كُتب له في اللوح المحفوظ أنه من أهل السعادة قطعاً؛ لأن النبي قطع بذلك عليه الصلاة والسلام، وهذا عمر كان يعبد الأصنام، وحينما كان يعبد الأصنام سبق في علم الله عز وجل أنه يتوب وأنه يؤمن وأنه يعبد الله تبارك وتعالى، بل يحارب الدنيا بأسرها لأجل عبادة الله، فهل كان مكتوباً أولاً أنه من أعداء الله ثم تغير اللوح المحفوظ وأُثبت مكان هذه العداوة محبة، أم أنه كان مكتوباً أولاً أنه سيكون من أحباب الله؟ بل حتى في اللحظة التي كان يعبد فيها الصنم كان مكتوباً أنه سيكون من أهل السعادة ومن أهل محبة الله عز وجل.
فهذا معنى كلام سفيان الثوري حتى لا تستنكره: إن الرجل ليعبد الأصنام وهو حبيب الله.
ليس حبيب الله عز وجل لأنه يعبد الأصنام، وإنما هو حبيب الله باعتبار ما سيكون بعد التوبة.
قال: [كتب عمر بن عبد العزيز إلى ابن له كتاباً فكان فيما كُتب فيه: إني أسأل الله الذي بيده القلوب يصنع فيها ما شاء من هدى وضلالة].
يعني: يقلبها كيف يشاء كما في الحديث، يصنع فيها ما شاء من هدى وضلالة، إذاً: فالله تبارك وتعالى يصنع في القلوب الهدى والضلالة، وهنا (يصنع) بمعنى: يخلق.
يخلق الهدى ويخلق الضلال.
أليس الهدى فعلاً والضلال فعلاً؟
صلى الله عليه وسلم نعم.
إذاً: الأفعال مخلوقة لله عز وجل، بمعنى أن الله تعالى قدر وجودها، فكما قدر وجود الصلاة قدر وجود السرقة، لكن الصلاة هدى والسرقة ضلال، فحينما قدر الله عز وجل هذا وذاك معناه: أنه يملك خلق الهدى والضلال سبحانه وتعالى.