Q إذا كان الله علم أزلاً أن العبد سيختار طريق الشقاء كتبه عليه فإنه سبحانه هو الذي جعل العبد يختار هذا الطريق؟
صلى الله عليه وسلم هو يريد أن يقول: إذا كان الله عز وجل علم أزلاً أن هذا العبد سيختار طريق الشقاء كتبه عليه، فالله هو الذي جعل العبد يختار طريق الشقاء، وهذه شبهة القدرية، ولذلك فإن معظم السلف ما كانوا يتكلمون كلمة واحدة في القدر، لما تنظر إلى كلام أحمد بن حنبل تجد أنه لم يثبت عنه أنه تكلم في القدر بكلمة إلا كلمة واحدة قال: القدر هو قدرة الله عز وجل.
فليس معنى ذلك أن الإمام أحمد لم يستطع أن يؤلف مصنفات في القدر، ولكن معظم السلف كانوا ينكرون هذا الكلام إنكاراً عظيماً جداً.
ولذلك ورد عنهم: إذا جاء القدر فأمسكوا.
لأن الشيطان سيسلمك من سؤال إلى سؤال، إلى حد أن تقول: إن ربنا ظالم لنا.
ونحن أثبتنا أن العبد له إرادة، والله عز وجل له إرادة، والعبد له مشيئة، والله تبارك وتعالى له مشيئة، والله تعالى لا يرضى لعباده الكفر ابتداءً، وأمرهم بالإيمان، ونهاهم عن الكفر ولم يرضه لهم، فالعبد لا يكفر غصباً وإنما بمشيئة الله.
فالذي حصل له ألم لا يرضى أنه يتعذب به في الدنيا وكذا في الآخرة، والذي صفعك لا يستطيع أن يصفعك إلا بإرادة الله، وسترد عليه بإرادة الله، وما رفع يده إلا بإرادة الله، ولا يقدر ينزلها إلا بإرادة الله، فهل الله تبارك وتعالى يرضى عن هذا الفعل؟ لا.
ومع هذا أذن بوقوعه؟ فالشيطان من خلق الله، وأعمال الشيطان هي من خلق الله وإيجاد الله، فهل ربنا رضى عنها؟ إذاً: نحن لابد أن نفرق بين المسألتين: الإرادة الشرعية الدينية، والإرادة الكونية القدرية: الإرادة الشرعية هي: أنك تصلي معنا المغرب والعشاء، فربنا أذن في ذلك وخلق فيك هذه الحركات من قيام وركوع وسجود وقراءة، وأضل غيرك، أو أنساه صلاة المغرب وصلاة العشاء، ويمكن أنه ما يصلي نهائياً.
وهذا بإرادة الله، لكن الله لا يرضاه، إنما أذن بوقوعه، مثلما أذن بوقوع الكفر في الكون، مع أنه حذر منه، وأرسل الرسل، وأنزل عليهم الكتب، والله لا يرضى الكفر، ومع هذا فالكافر هو الذي اختار الكفر.
لما تقول لابنك: يا ابني! الطريق هذه تؤدي بك إلى النجاح، والطريق هذه تؤدي بك إلى الرسوب، ومع هذا ابنك يصر على عدم المذاكرة مع المراقبة الشديدة وتوفير جميع وسائل الراحة التي تؤهله للنجاح في نهاية العام، ومع هذا فالولد كلما تؤكد عليه يعرض عنك، فهذا الولد يعرض عنك بإرادة؛ بدليل أنك موفر له سبل الراحة، والولد لا يستغل سبل الراحة ولا يذاكر.
فالله عز وجل علم إعراض هذا الولد، وعلم أنك ستقوم تجاهه بالواجب، ويأجرك على هذا الواجب والولد يأثم عند الله عز وجل بتمتعه بهذه النعم وإعراضه عن المذاكرة.
الولد يعرف في نفسه أنه لو ذاكر سيرضي ربه ويرضي والده، ومع هذا يعرض.
فإذا كان لا يعلم ذلك فإنه لا يأثم.
إذاً: لا يوجد ظلم هنا، فالله تبارك وتعالى خلق الجنة وخلق النار، خلق لهذه قسم الله أعلم بهم، وخلق لتلك قسم الله أعلم بهم، وبين لهم الطرق والأسباب التي تؤدي بهم إلى الجنة، وإلى النار، وأنزل لهم الكتب، وأرسل لهم الرسل فقامت عليهم الحجة، فالذي يكفر يعلم أنه كافر، والذي يزني يعلم أنه يزني، ويعلم أن الزنا معصية، وأن الله سيعاقبه عليه، ولكنه لا يستطيع أن يزني بغير إرادة الله.
وليس معنى: (بقدر الله) أن الله عز وجل يحب الزنا ولذلك أذن فيه، فهو لا يحبه، إنما يحب العفاف والطهر وأمر به، ويكره الزنا ويمقته ونهى عنه، لكن الذي يأتي الطاعة فهو يأتيها بإرادة الله، والذي يأتي المعصية هو يأتيها بإرادة الله؛ لأنه لا يقع في الكون إلا ما أراده الله وقدر، لكن من إرادته ما يثيب عليها، ومن إرادته ما يعاقب عليها.