قوله تعالى: (وخلق كل شيء فقدره تقديراً)

قال: [قوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:2]].

قال: [عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كتب الله مقادير الخلق كلهم قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء)].

ومن المقادير: السعادة والشقاوة، الجنة والنار، الرزق.

كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.

فإذا كان الله تعالى كتب ذلك بعلم، فلابد أن نثبت أولاً العلم الأزلي لله عز وجل، وهو علم كل شيء، علم لا نهاية له، ولا منتهى له، وأن الله تعالى علم ذلك أزلاً فكتبه في اللوح المحفوظ الذي لا يقبل التبديل ولا التغيير ولا التحريف، ولا يلحقه إثبات غير ما هو مثبت فيه، أما الذي يقبل الإثبات والمحو فالكتب التي بيد الملائكة، أما اللوح المحفوظ فلا يقبل المحو ولا الإثبات إلا ما كان فيه، فلما علم الله ذلك أزلاً كتبه قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ثم كتب للعبد الشقاء أو السعادة، وهذه الكتابة بعدل وحكمة من الله، وليس بظلم منه.

والله تبارك وتعالى خاطب المؤمن والكافر بالإيمان، وألزمهما وكلفهما به، ولكن العبد التقي اختار طريق التقى والهدى طلباً للجنة ولرضوان ربه، فإن العبد الذي سبق في علم الله أنه شقي هو الذي اختار طريق الشقاء وطريق النار، فلما سبق في علم الله ذلك منه كتبه عليه بعد أن أرسل إليه الرسل، وأنزل عليهم الكتب، ورزقه العقل الذي يميز به بين الحق والباطل، وبين السعادة والشقاء، وبين الهدى والضلال.

قال: [(كتب الله مقادير الخلق كلهم قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء)].

قال: [عن طاوس قال: أدركت ناساً من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يقولون: كل شيء بقدر.

قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس)].

قال: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)] مع أن هذا مؤمن وهذا مؤمن، لكن هذا مؤمن قوي، قوي في علمه، قوي في إيمانه، قوي في عمله، فهو أحب إلى الله عز وجل من المؤمن الضعيف.

[(وفي كل خير)]؛ لأن كل واحد منهما فيه إيمان، والإيمان خير، [(فاحرص على ما ينفعك، واستعن بالله تبارك وتعالى ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقولن: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)].

يعني: كل شيء عنده بمقدار حتى العدل والكيل (فإن لو تفتح عمل الشيطان)].

قال: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن النذر لا يقدر لابن آدم شيئاً لم يكن الله قدره)].

يعني: أنت تقول: يا رب! لو ابني نجح سأذبح شاة، وابنك نجح، فهذا قد سبق في علم الله.

لكي لا تتصور أن ذبح النعجة معلق بسبب نجاح ابنك، بل كتب في اللوح المحفوظ، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يكره النذر في الطاعة، ويقول: (إنما يستخرج به من البخيل).

يعني كأنك تقول: يا رب لو ابني نجح أذبح، وإذا ما نجح ما أذبح.

وهذا لا يصح، ففي زمن السلف لم يختلفوا في هذه القضية.

ولابد أن يكون النذر في طاعة، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه).

فمثلاً: واحد يقول: يا رب لو أنا حصل لي كيت سأترك الصلاة.

فهذا النذر يأثم به العبد، ولا يلزمه هذا النذر، إنما لو نذر في طاعة يلزمه النذر والأفضل عدم النذر، والنذر لن يغير شيئاً في المكتوب والمقدر.

فتقول: يا رب لو ابني نجح سأذبح شاة، فنجح ابنك، ثم بعد ذلك تلف وتدور وتتلمس الأعذار فتقول أصوم فأنا ممكن أصوم ستة شهور ولا أذبح -لأنك بخيل- وممكن أن تحدث نفسك بأنه كان مكتوب في اللوح المحفوظ أنه سينجح، فما الذي جعلك تنذر؟ ولذلك النذر يستخرج به من البخيل، أما للإحسان وهو أن ربنا أحسن إليك في نجاح ولدك، أو في قضاء مصالحك فاذبح من غير ما تنذر، فلا ينفع أن تعمل الطاعة وأنت محتار، بل وأنت راض ومبسوط، ومقبل على ربك، لابد أن تعمل الطاعة ورقبتك تحت رجلك، فلا تذبح الشاة وأنت كاره، قال: (إن النذر لا يقدر لابن آدم شيئاً لم يكن الله قدره).

يعني: هذا النذر لم يغير من القدر شيئاً، ولكن النذر يوافق القدر، والله عز وجل علم أزلاً أنك ستنذر فلابد أن تفي بالنذر.

ويفضل ألا تنذر حتى في الطاعة، وإذا كنت تريد أن تشكر ربك بذبح شاة، فلا يكن ذلك في صورة نذر، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الطاعة بدون نذر خير من الطاعة بنذر.

إذاً: الأفضل هو ألا تنذر، وأن تفعل هذه الطاعة بلا نذر، لكن الله تعالى بعد أن أرسل إليك رسولاً، وبين لك أن الطاعة بغير نذر أفضل من الطاعة بنذر علم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015