يقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث علي بن أبي طالب: (اعملوا فكل ميسر لما خُلق له)، وما يدريك أنك من أهل الشقاء أو السعادة؟ وفي حديث جابر: جاء سراقة بن مالك بن جعشم، وهو من كبار الصحابة رضي الله عنه، وكان من أعظم المحاربين للنبي عليه الصلاة والسلام، وهو الذي بعثته قريش لقتل النبي عليه الصلاة والسلام في هجرته من مكة إلى المدينة، وحينما كاد أن يلحق بالنبي عليه الصلاة والسلام ساخت قدم فرسه في الأرض، فعلم أنه هالك، كل هذا كان لأجل أن يأخذ مائة ناقة من قريش في مقابل قتل محمد وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه، ثم أسلم سراقة وحسن إسلامه، فأتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (يا رسول الله! بين لنا ديننا كأنا خُلقنا الآن، فيم العمل اليوم؟ -أي: نحن سنعمل لماذا؟ - أفيما جفت به الأقلام -يعني: فيما جرت به الأقلام وكتبته- وجرت به المقادير، أم فيما يُستقبل؟ قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير، قال: ففيم العمل؟) قال زهير: ثم تكلم أبو الزبير بشيء لم أفهمه فسألته: ماذا قال؟ قال: (اعملوا فكل ميسر) فهو يسأله: ففيم العمل؟ قال: اعملوا -أي: لا بد من العمل- فكل ميسر.
والجوع يكون بقدر الله، لكن هل من الممكن أن تقول: إن الله عز وجل قد كتب سلفاً وأزلاً أنني في الوقت الفلاني سأجوع، وما دام هذا بقدر الله فأنا لا آكل؟ لا يمكن؛ لأن الجوع بقدر والشبع بقدر، وكذلك المعاصي بقدر، والعقوبة المترتبة على هذه المعصية بقدر.
وآخر يقول: أنا لن أتزوج، ولو شاء الله تعالى أن يرزقني الولد بغير زوجة لفعل، ونحن نعرف أن الله على كل شيء قدير، لكن الأسباب لا بد منها، ولذلك من اعتمد على السبب فقد أشرك، أي: أن الذي يعتبر أن الطعام الذي أكله هو الذي أشبعه، فهذا ضرب من ضروب الشرك؛ لأن الذي أشبع على الحقيقة هو الله، والذي شفى المريض على الحقيقة هو الله، وإنما الدواء عبارة عن سبب، فالله تعالى خلق المرض وهو ابتلاء، فهو مخلوق بقدر، وكذلك العلاج بقدر.
وإذا قدر الله لي المرض فأنا أتداوى، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (تداووا عباد الله! فما من داء إلا وله دواء) إذاً فالداء بقدر الله، والدواء أيضاً من قدر الله عز وجل.