[قال إبراهيم: ويوم مات بشر جعل الصبيان يتعادون بين يدي الجنازة ويقولون: من يكتب إلى مالك؟ من يكتب إلى مالك؟] يعني: كانوا يقولون فرحاً بموته: من يكتب إلى مالك في المدينة أن بشراً قد مات، فقد كان لعبة للصبيان.
(وقال هارون أمير المؤمنين: بلغني أن بشراً المريسي يزعم أن القرآن مخلوق، لله علي إن أظفرني به لأقتلنه قتلة ما قتلها أحداً قط)، وهذا لما كان الحكام والسلاطين عندهم فهم لدين الله عز وجل، وكانوا يعرفون ما معنى القرآن، ويعرفون صفات الله عز وجل.
(قيل لـ سفيان بن عيينة: إن بشراً المريسي يقول: إن الله لا يرى يوم القيامة) يعني: لا يراه المؤمنون.
(فقال: قاتله الله، دويبة) يعني: هذا دابة وحشرة من الحشرات، بل أقل من ذلك.
(ألم يسمع قول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15])، وهذا الكلام عن الكفار.
(فجعل احتجابه عنهم عقوبة لهم، فإذا احتجب عن الأولياء والأعداء فأي فضل للأولياء على الأعداء إذاً؟ وعن محمد بن أبي كبشة قال: سمعت هاتفاً في البحر يقول: لا إله إلا الله على ثمامة، وعلى المريسي لعنة الله، قال: وكان معنا في المركب رجل من أصحاب بشر المريسي فخر ميتاً.
ولما مات بشر بن غياث المريسي لم يشهد جنازته من أهل العلم والسنة أحد إلا عبيد الشونيزي، وهو رجل من أهل السنة.
فلما رجع من جنازة المريسي أقبل عليه أهل السنة والجماعة وقالوا: يا عدو الله! تنتحل السنة) يعني: تذهب مذهب أهل السنة.
(وتشهد جنازة المريسي؟ قال: أنظروني حتى أخبركم، ما شهدت جنازة رجوت فيها من الأجر ما رجوت في شهود جنازته) يعني: صلاتي على الرجل هذا من أرجى الأعمال لدي عند الله عز وجل.
(قال: لما وضع في موضع الجنائز قمت في الصف فقلت: اللهم عبدك هذا كان لا يؤمن برؤيتك في الآخرة، اللهم فاحجبه عن النظر إلى وجهك يوم ينظر إليك المؤمنون، اللهم عبدك هذا كان لا يؤمن بعذاب القبر، اللهم فعذبه اليوم في قبره عذاباً لم تعذبه أحداً من العالمين، اللهم عبدك هذا كان ينكر الميزان، اللهم فخفف ميزانه يوم القيامة، اللهم عبدك هذا كان ينكر الشفاعة، اللهم فلا تشفع فيه أحداً من خلقك يوم القيامة.
قال: فسكتوا عنه وضحكوا.
وقال المروزي: سمعت بشر بن الحارث -وهو بشر الحافي، وهو رجل من الأولياء الصالحين- يقول: جاء موت هذا الذي يقال له المريسي وأنا في السوق، فلولا أنه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود).
يعني: لو لم يكن السوق موقع يشهر فيه العبد، فلو سجد شكراً لله على سماع خبر نعي بشر المريسي، فسيقولون: هذا بشر الحارث قد سجد، وهو ما كان يحب أن يشهر؛ لأنه كان ورعاً.
فقال: [لولا أن موضع السجود في السوق موضع شهرة لسجدت.
ثم قال: والحمد لله الذي أماته، هكذا قولوا.
مات بشر المريسي في ذي الحجة سنة ثمان عشرة ومائتين، قال: ويقال: سنة تسع عشرة ومائتين].