[قال هشام بن يحيى الواسطي: كنت قاعداً عند يزيد بن هارون فجاء رجل فقال: يا أبا خالد! ما تقول في الجهمية؟] والجهمية هم النفاة الذين ينفون الصفات عن الله تبارك وتعالى، ينزهون الله تعالى بزعمهم.
وأهل السنة وسط بين هذه الفرق، كما أن هذه الأمة وسط بين الأمم فأهل السنة والجماعة وسط بين هذه الفرق الضالة، ولذلك حكم النبي صلى الله عليه وسلم عليها بالضلال وبالنار فقال: (كلها في النار إلا واحدة.
قيل: من هم؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم)، الكلام الباطل الذي أتى به داود الجواربي وهشام بن الحكم وهشام بن سعيد الجواليقي لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أو عن واحد من أصحابه، حاشا وكلا، هذا كلام باطل وسخف يؤدي بصاحبه إلى الكفر البواح، ولذلك لما سئل يزيد بن هارون عن الجهمية النفاة الذين يزعمون تنزيه المولى عز وجل وهم قد نفوا عن الله عز وجل ما أثبته لنفسه في مقابل من عجزوا عن إثبات ذلك لله عز وجل على الوجه اللائق له فقالوا بالتمثيل والتجسيم والتشبيه، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: من مثل فإنما يعبد صنماً، ومن عطل فإنما يعبد عدماً.
أي: من عطل المولى عز وجل عن صفاته فهو يعبد عدماً، لأن الإله الحق سبحانه وتعالى وصف نفسه بصفات، فإذا نفيتها فيلزمك أن تنفي الذات، وإذا مثلت صفات الخالق بصفات المخلوقين يلزمك أن تعبد صنماً؛ لأن الله ليس كمثله شيء، فالذي يعبد إلهاً قد مثله بصفات المخلوقين فإنما يعبد صنماً، والذي يزعم أنه نزه الباري عن صفاته فلا بد أن يئول أمره إلى أن هذا الإله عدم، فالذي يعبد إلهاً بلا صفات فإنما يعبد عدماً، والذي مثل صفات الخالق بالمخلوقين فإنما يعبد صنماً.
[سئل يزيد بن هارون عن الجهمية النفاة فقال: يستتابون].
يعني: يحبسون في بيوتهم أو في محابس السلطان ثلاثة أيام فتقام عليهم الحجة؛ فإن تابوا ورجعوا وندموا وإلا قتلوا، لكن لا يقتلون حداً وإنما يقتلون ردة.
[إن الجهمية غلت ففرغت في غلوها إلى أن نفت، وإن المشبهة غلت ففرغت في غلوها حتى مثلت] يعني: كل واحد من الفريقين بلغ الغاية في بدعته، هذا بلغ غاية النفي، وهذا بلغ غاية التشبيه والتمثيل.
[فالجهمية يستتابون، والمشبهة كذا وكذا رماهم بأمر عظيم] أعظم مما رمى به النفاة.