نهي السلف عن الخوض في صفات الله بالتكييف والتأويل ونحو ذلك

[قال أبو عبيد القاسم بن سلام لما ذكرت عنده أحاديث: (ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده)، و (الكرسي موضع القدمين)، و (وأن جهنم لتمتلئ فيضع ربك قدمه فيها) وأشباه هذه الأحاديث؛ فقال أبو عبيد: هذه الأحاديث عندنا حق، يرويها الثقات بعضهم عن بعض، إلا أنا إذا سئلنا عن تفسيرها قلنا: ما أدركنا أحداً يفسر منها شيئاً، ونحن لا نفسر منها شيئاً، نصدق بها ونسكت].

وهذا مذهب أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بصفات الله عز وجل التي هي فوق مستوى عقول البشر: أنهم يؤمنون بها كما جاءت، ويمرونها ولا يتعرضون لها، ولا يخوضون فيها بتأويل ولا بتفسير وغير ذلك، وإنما يؤمنون بها.

قوله: (ضحك ربنا) فهو سبحانه يضحك كيف يشاء، ضحكاً يليق بجلاله تبارك وتعالى.

قوله: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا) ينزل كيف يشاء، فنؤمن بأنه ينزل، لكن لا يعلم الكيفية إلا الله عز وجل، ولذلك كانوا يؤمنون بهذه الأصول ويمرونها كما جاءت، ولا يتعرضون لها، ولا يخوضون فيها بتأويل ولا بشرح ولا بيان؛ لأن هذه الأصول وهذه الصفات فوق مستوى الشرح، وفوق مستوى البيان والتفسير والتأويل، بل هي فوق مستوى العقول.

فإذا كنت أنت لا تدرك ذات الله تبارك وتعالى، ولا تستطيع أن تصف الذات لله عز وجل؛ لأنك لم ترها ولم تر لها مثيلاً؛ فلابد أن هذه الذات متصفة بصفات الكمال، ولا يجوز لأحد أن يشرحها، فضلاً عن أن العقول لا تستوعب ذلك؛ ولذلك أخفاها الله عز وجل حتى على أنبيائه ورسله، ولو كان النبي عليه الصلاة والسلام عنده شيء من ذلك تفصيلاً لأخبرنا به، ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام ما ترك خيراً إلا وقد دل أمته عليه، فلما امتنع وسكت عن هذا تبين أنه ليس عنده بيان في هذا.

قال: [وسئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن -وهو ربيعة الرأي شيخ أهل المدينة- عن قول الله تبارك وتعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] فقال: الاستواء معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والله عز وجل لا يحد].

وهذا حتى لا تتصور في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] أن العرش يحويه أو يحيط به، فالله تبارك وتعالى أكبر من جميع المخلوقات، والعرش مخلوق، فلابد أن العرش لا يحيط بالله عز وجل، فيكون ((اسْتَوَى)) بمعنى: علا وارتفع، لا بمعنى: استولى، ولا بمعنى: قعد.

ولذلك هذه الزيادة من ربيعة زيادة في غاية الأهمية، قال: وأن الله تعالى لا يحد، أي: لا تحده حدود من جميع الجوانب.

قال: [ولما سئل نعيم بن حماد -وهو شيخ البخاري، وهو وإن كان في الحديث ضعيفاً إلا أنه إمام كبير من أئمة السنة -لما سئل عن قول النبي عليه الصلاة والسلام: (تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق) قال نعيم: ليس كمثله شيء، ولا يشبهه شيء من الأشياء.

وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية -أي: ذكر رؤية المؤمنين ربهم تبارك وتعالى- فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف].

مع أن هذه النصوص لها جانب آخر وهو جانب الرؤية، وذلك لأن الرؤية غير حاصلة في الدنيا، وليس لها مثيل كذلك، ورؤيتنا لله عز وجل في الآخرة لا نعلم نحن كيفيتها، فالذي نؤمن به تمام الإيمان أننا نرى ربنا تبارك وتعالى عياناً، فهل نكون في ذلك الوقت على حالتنا وعلى ضعفنا وقلة حيلتنا في الدنيا؟ وهل نكون بهذا التكوين الفسيولوجي حين نرى الله عز وجل في الجنة، أم أن الخلق سيكون لهم بنيان آخر يقوون به على رؤية المولى عز وجل؟ فهذا أمر لا نعلمه، وإنما نؤمن أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى، ويحجب عنه الكافرون فلا يرونه قط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015