الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: فقد تكلمنا في الدرس الماضي عن مدى إمكانية رؤية الله عز وجل بالعين، وقلنا: إن ذلك محال في حق البشر، وذكرنا الخلاف الذي حدث في حق النبي عليه الصلاة والسلام في رحلة المعراج: هل رآه بعيني رأسه أم رآه بفؤاده؟ وذكرنا أن هناك خلافاً شكلياً ظاهرياً، فـ ابن عباس خالف جمهور الصحابة فأثبت الرؤية لله عز وجل، إلا أنه لم يثبت عنه أنه قال: رآه بعيني رأسه، وإنما وردت عنه أقوال مطلقة، ومن ذلك: أنه سئل: [(هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقال: نعم)].
والتقييد الذي ورد في كلامه بأنه رآه بفؤاده لا بد وأن يحمل عليه كلامه المطلق، وبهذا ينضم قول ابن عباس إلى قول جمهور الصحابة، فلا يكون هناك في الحقيقة خلاف بينهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما رأى ربه بعيني رأسه، وإنما رآه بفؤاده، ولا أدل على ذلك من قول عائشة رضي الله عنها لـ مسروق: (من حدثكم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية)، وفي رواية أنها قالت: (لقد قف شعري مما أسمع، إني أسمع أقواماً يقولون: إن محمداً رأى ربه، فمن قال ذلك فقد أعظم الكذب على الله).
ثم مما يؤيد كلامها: كلام عبد الله بن مسعود، فإنه قال نفس الكلام، وفوق هذا الكلام كله: حديث النبي عليه الصلاة والسلام لـ أبي ذر لما سأله: (هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه)، وفي رواية قال: (رأيت نوراً).
كما أثبتنا في الدرس الماضي أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى ربه مناماً لا يقظة؛ لما رواه أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت ربي في منامي في أحسن صورة، حتى وضع كفه بين كتفي فشعرت ببردها بين ثديي)، ورؤيا الأنبياء حق ووحي.
وبهذا يتبين خلاصة الأمر وخلاصة الكلام في هذا: أن رؤية الله تبارك وتعالى بعيني الرأس في الدنيا؛ سواء للمؤمنين أو للأنبياء لا تجوز، وعلى ذلك إجماع علماء الإسلام.
وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه فإنه قد رآه في منامه ولم يكن ذلك بعيني رأسه، وإنما رآه بفؤاده، وهذا مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة في مسألة الرؤية بالعين.