قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي الذي يقول فيه المولى عز وجل: (وإذا تقرب إلي عبدي شبراً تقربت إليه ذراعاً).
فأثبت القرب من العباد لله عز وجل.
(وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة).
فأنا أهرول، والله تعالى يهرول، لكن هرولة الله ليست كهرولة المخلوقين، وإنما ذلك اتفاق في الاسم واختلاف في المسمى والمضمون، والمعنى معلوم، والكيف مجهول.
فهرولة الله تبارك وتعالى يقيناً معلومة لدينا؛ لأنه أخبرنا أنه يهرول، لكن كيف يهرول؟ هذه ليست لنا، ولو سألتني: كيف يهرول زيد أو عمرو؟ لقلدت لك هرولة زيد وعمرو؛ لأن الأمر لا يعلم إلا بشرطين: إما برؤيته له، فأستطيع أن أصفه، وإما بوجود المماثل له.
وأنت سألتني: كيف يهرول عمرو أو زيد؟ فهل عمرو سيأتي بهرولة جديدة؟ لا.
فنحن نهرول كبعضنا، ولكل واحد من البشر هرولة خاصة، وهو رمل واحد، وإسراع واحد، وجري واحد، وبطء واحد، ويستطيع المرء أن يصف ذلك في المخلوقات؛ لأنه رأى ذلك بنفسه ويستطيع أن يفعل ذلك، وهناك أمثلة عديدة في البشر يستطيع أن يقيس؛ لأني كزيد وكعمرو وكإبراهيم وكمحمد، لكن لا أقول: أنا كالله تعالى! لأننا إذا كنا نتفق على أن ذات المخلوقات تختلف عن ذات الله عز وجل فلا بد وأن نقول: إن صفاته تبعاً لهذه الذات تختلف عن صفات المخلوقين فهو يهرول كيف يشاء، ولا أستطيع أبداً أن أصف هرولة الله عز وجل؛ لأنني لم أر الله، ولم أر هرولة الله، ولذلك لا أستطيع أبداً أن أمثلها؛ لأنها غيب عني، وكل ما في الأمر: أن الله تعالى ألزمني الإيمان بأنه يهرول، وأنه يأتي، وأنه يجيء، وأنه يتقرب إلى عباده.
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الرؤية قال: (فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم! فيقولون: لا، نبقى هنا حتى يأتينا ربنا كما نعرفه).
لأنهم قد رأوه أول مرة في المحشر، ولذا لما ظهر لهم في صورة أخرى وقال: أنا ربكم! قالوا: لا.
إنما لربنا علامات نعرفه بها، عينان، وساق، ويدان.
فهذه وغيرها جوارح في حق المخلوقين، لكنها ليست جارحة في حق الله عز وجل.
ولذلك لما ظهر الله تعالى لهم لم يروا له مثيلاً ولا نداً ولا شبيهاً في حياتهم قط، فعرفوا أن هذا هو الله عز وجل؛ لأنه واحد في ذاته، واحد في صفاته، لا يشبه أحداً، فلما بدا لهم وظهر لهم وكشف الحجب بينه وبينهم ورأوه على هذا النحو الذي لا يمكن لبشر أن يصفه قالوا: أنت ربنا.