كلام العلامة الصوفي في صفة النزول

قال العلامة الصوفي في كتابه (قواعد وجوب الاستقامة والاعتدال): والمشهور عند أصحاب الإمام أحمد بل عند السلف جميعاً: أنهم لا يتأولون الصفات التي من جنس الحركة.

أي: لا يتأولون الصفات التي توهم في ظاهرها الحركة كالمجيء والإتيان والنزول والهبوط والدنو والتدلي والاستواء، كما لا يتأولون غيرها متابعة للسلف الصالح.

قال: وكلام السلف في هذا الباب يدل على إثبات المعنى المتنازع فيه، كما قال الأوزاعي لما سئل عن حديث النزول قال: أنا أومن برب يفعل ما يشاء.

وقال حماد بن زيد: يدنو من خلقه كيف يشاء.

قال: وهو الذي حكاه الأشعري - أي أبو الحسن - عن أهل السنة والأثر.

وقال الفضيل بن عياض: إذا قال لك الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل: أنا أومن برب يفعل ما يشاء.

وقال أبو الطيب: حضرت عند أبي جعفر الترمذي -وهو من كبار فقهاء الشافعية، أثنى عليه الدارقطني وغيره- فسأله سائل عن حديث: (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا) قال له: فالنزول كيف يكون، يبقى فوقه علو؟! فقال أبو جعفر الترمذي: النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

كما أجاب مالك في الاستواء وأم سلمة وغيرهما، وهو قول أهل السنة في سائر الصفات.

وقال أبو عبد الله الرباطي: حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر وحضر إسحاق بن راهويه فسئل عن حديث النزول: أصحيح هو؟ قال: نعم.

فقال له بعض قواد الأمير: يا أبا يعقوب! أتزعم أن الله ينزل كل ليلة؟ قال: نعم.

قال: كيف ينزل؟ قال له إسحاق: أثبت أنت الحديث حتى أصف لك النزول.

فقال له الرجل: أثبته.

فقال له إسحاق: قال الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22] فقال الأمير عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب، هذا يوم القيامة.

فقال إسحاق: أعز الله الأمير، ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم؟ وقال حرب بن إسماعيل: سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: ليس في النزول وصف.

يعني: لا يحل لأحد أن يصف نزول الرب تبارك وتعالى.

قال: وقال إسحاق: لا يجوز الخوض في أمر الله كما يجوز الخوض في أمر المخلوقين.

أي: إذا كنت تريد أن تصف شيئاً فصف أفعال المخلوقين، أما أفعال الخالق فلا، لأن الله تعالى قال: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23].

قال: ولا يجوز أن يتوهم على الله بصفاته وأفعاله بفهم ما يجوز التفكر والنظر في أمر المخلوقين.

يعني: يحرم عليك أن تفكر أو يجول في ذهنك أن الله ينزل كنزولك أو يستوي كاستوائك أو يأتي كإتيانك أو يجيء كمجيئك.

قال: وذلك أنه يمكن أن يكون الله موصوفاً بالنزول كل ليلة إذا مضى ثلثها إلى السماء الدنيا كما شاء، ولا يسأل كيف نزوله؛ لأن الخالق يصنع ما يشاء كما شاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015