قال: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يمين الله ملأى).
واليمين بمعنى: يده اليمنى.
قال: [(يمين الله ملأى لا يغيضها شيء)] أي: لا ينقصها شيء مهما أنفق، لا ينقص مما في يمينه شيء.
قال: [(سحاء الليل والنهار)] سحاء تفيد: شدة العطاء وكثرته.
أي: يعطي بقوة وسرعة.
وهذا يدل على شدة عطاء المولى تبارك وتعالى بالليل والنهار لعباده.
قال: [(أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض)].
أرأيتم ما أنفق الله عز وجل منذ أن خلق السماوات والأرض؟ فبسبب هذا الإنفاق الكثير لابد أن تفنى تلك الخزائن، لكن هذا لا يكون إلا في قياس المخلوقين، أما في قياس الخالق فلا؛ لأن خزائن الله عز وجل تختلف عن خزائن البشر، فالبشر مهما بلغت خزائنهم لابد أنها تفنى، أما خزائن المولى تبارك وتعالى فمهما أنفق منها عز وجل فإنها لا تتأثر إلا كما يتأثر البحر إذا أدخل فيه المخيط.
يعني: تصور أنك تأتي بإبرة وتدخلها في البحر، ثم تخرج هذه الإبرة مرة أخرى.
ما الذي تعلق بها؟ لا أقول: نقطة ماء، بل نقيطة ماء.
فهل هذه النقطة ومهما عظمت هل تؤثر في ماء البحر؟ أو هل تؤثر في وزن البحر، أو في حجم الخير الذي في البحر؟ أبداً.
فمهما أنفق المولى تبارك وتعالى، وسحت يده بالليل والنهار فإن ذلك لا ينقص من خزائنه شيء إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر، وهذا يدل على أنه لا تنقص هذه الخزائن أي نفقه ينفقها المولى عز وجل، وخزائنه بيده ينفق منها كيف يشاء.
قال: [(أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم ينفق ما في يمينه)] أي: لا يزال الخير الذي وضعه في يمينه رغم أن هذا الخير يغط فيه الخلق أجمعين من بني آدم وطير وحيوان وحشرات وغيرها، فإن الخزائن لا تزال موجودة بتمامها وكمالها في يمين المولى تبارك وتعالى.
قال: [عن عبد الله بن عمرو ويبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: (المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور -والمقسط هو العادل- عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين)] هذا أمر في غاية الإعجاز.
هذا أمر يجعل المرء يحار، ولابد في النهاية أن يسلم المرء بأن ذات الله وصفاته تختلف عن ذوات المخلوقين وصفات المخلوقين.
كيف تكون يداه الاثنتان يميناً، ومعلوم أن اليمين دائماً تكون أقوى في المخلوقين من الشمال؟ نقول: ليس علينا معرفة الكيفية، ولا يعرفها أحد من المخلوقين، لا نبي مرسل ولا ملك مقرب؛ ولذلك فإن الأدلة التي وردت بأن لله عز وجل يداً شمالاً كما قال: (ويطوي السماوات بيمينه ويقبض الأرضين بشماله) هذه الرواية وإن كانت في مسلم إلا أنها شاذة؛ لأنها من رواية عمر بن حمزة، وعمر ضعيف.
وأما مسلم فقد احتج به لتوثيق عمر عنده، مع أن جميع النقاد على أن عمر بن حمزة ضعيف، وعيب على مسلم إخراجه لحديث عمر بن حمزة، سواء هذا الحديث أو غيره.
فالرواية في مسلم لا تأخذ الحصانة إذا كانت في جنب الله عز وجل، وقد أعرض البخاري عن هذه الرواية، بل اتفق معه مسلم على أن (كلتا يدي الرحمن يمين).
فهذه الرواية هي المتفق عليها، والرواية الثانية وإن أتت من ثلاث طرق إلا أنها من طريق عمر بن حمزة وهو ضعيف، وجاءت من طريقين كل منهما في إسناده رجل متروك، فالرواية شاذة غاية الشذوذ، بل منكرة غاية النكارة؛ لأن الحديث المنكر: هو مخالفة الضعيف للثقة.
بخلاف الحديث الشاذ فإنه مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، أو لمجموع الثقات، فهذا الحديث في غاية النكارة، وقد ثبت لله عز وجل كما اتفق على ذلك البخاري ومسلم أن كلتا يديه يمين.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: [(المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور، عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم، وأهليهم وما ولوا).
أخرجه البخاري ومسلم].