قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله في (نقض أساس التقديس)، وهذا الكتاب من أمتع ما يمكن أن يقرأ، وأقول لك: إن كثيراً من الإخوة يعتقدون أنه ليس هناك كتب عقيدة في الإسلام إلا العقيدة الطحاوية، وفتح المجيد، والواسطية فقط، وهذا غلط، بل إن هناك كتباً كثيرة في الاعتقاد، ثم إن العلماء قد صنفوا هذه الكتب من أجلنا نحن فقط، من أجل ذلك فنحن لا نعرف غيرها! ولذا فهم عندما رأوا أننا لا نستطيع أن نفهم أي كلمة من كلام السلف، قالوا: نصنف لهؤلاء الجيل علم على قدر همتهم وفهمهم، حتى يلقوا الله عز وجل باعتقاد سليم.
إذاً: فنحن لا نتوقف عند هذه الكتب فقط، إذ إنها قد صنفت للمبتدئين في العلم، وأنتم أصبحتم في مستوى كبير، فلابد أن تكبروا عن ذلك قليلاً، فهناك أكثر من ألف مصنف مسند وغير مسند في توحيد الله عز وجل، وحاولوا أن تنتهوا من العقيدة الطحاوية من أجل أن تأخذوا مرحلة أعلى قليلاً.
وعلى كل قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في نقض أساس التقديس: إن هؤلاء يتأولون كشفه عن الساق بأنه إظهار الشدة -انظر هذا الكلام الجميل- وفي نفس هذه الأحاديث أنه إذا أتاهم في الصورة التي يعرفونه، فيكشف لهم عن ساقه فيسجدون له، فإذا تأولوا مجيئه في الصورة التي يعرفون على إظهار رحمته وكرامته، كان هذا من التحريف والتناقض في تفسير الكتاب والسنة.
فهو يريد أن يقول: في قول الله عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22]، أن المتأولة يقولون: إن الله تبارك وتعالى لا يأتي ولا يجيء ولا يذهب ولا يرضى ولا يسخط ولا يفرح ولا، ينفون كل هذه عن الله عز وجل، فيقولون في تفسير قوله تعالى: ((وَجَاءَ رَبُّكَ))، أي: وجاء أمر ربك، أو رحمة ربك، أو رضا ربك، والمهم أن الرب تبارك وتعالى عندهم لا يأتي، وعليه فإذا كنتم تفسرون مجيء وإتيان الله عز وجل بإتيان الرحمة، وأنتم الذين تقولون: لو ظهر لنا بما نعرفه لعرفناه، لكن هو سيعرف لكم بالساق مثلما أبنتم ذلك، فإذا كانت الساق هي الشدة فهل تسجدون لها؟
صلى الله عليه وسلم لا.
فإذا قلتم: إن الإتيان والمجيء لله عز وجل هو إتيان الرحمة، فلا يتصور أنك إذا رأيت رحمة ربك سجدت في هذا الموقف.
واعلم أن هناك أصلاً مهماً جداً لابد وأن تعض عليه بالنواجذ خاصة فيما يتعلق بصفات المولى عز وجل، وهو: (حمل الألفاظ على ظاهرها دون تحريف، أو تأويل، أو تمثيل، أو تكييف، أو تشبيه)؛ لأن الأصل في الألفاظ أن تحمل على الحقيقة حتى يرد ما يخرجها عن ذلك.
يعني: إذا كانت الآية تقول: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:42].
إذاً هي ساق، حتى لو لم نكن متصورين صفة الساق، ولا نصرف هذه الساق عن ظاهرها كما يفعل المبتدعة؛ لأنه لابد أن يكون معك صارف لها أو قرينة على الصرف؛ ولأن الأصل في الألفاظ أنها تحمل على الحقيقة لا على المجاز، سواء المجاز الشرعي أو المجاز اللغوي أو المجاز العقلي.
فقوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:42]، أثبتت الآية أن هناك ساقاً، ولا أستطيع أن أقول: بأنها الشدة؛ لأنه لابد من صارف أو قرينة صارفة، واللغة ليست صارفة إلا بشرط: استحالة حمل اللفظ على ظاهره، واللفظ الذي معي أحمله على معناه الاصطلاحي الشرعي، فإن كان محالاً أحمله على الحقيقة اللغوية، وإن كانت الحقيقة اللغوية محالة فأحمله على الحقيقة العرفية، وهذا ترتيب أهل العلم في صرف النص عن ظاهره.
لكن في هذه الحالة عندما يثبت ربنا سبحانه لنفسه الساق، فإننا نحمل هذا اللفظ على حقيقته الشرعية، ولا يمكن أن نتعدى ذلك إلى غيره لأنها خطوات وضعها أهل العلم وأمرونا باتباعها، ولو تخطينا الحقيقة الشرعية في صفة الساق فلابد وأن نتخطاها في جميع الصفات الذاتية لله عز وجل.
وبهذه المناسبة أذكركم بقاعدة قد مرت وهي: (أن الكلام في صفة واحدة كالكلام في جميع الصفات)، فإذا تخطينا الحقيقة الشرعية في الساق فيلزمنا أن نتخطاها في جميع الصفات.
إذاً: مذهب السلف هو إثبات الألفاظ على حقيقتها وعدم صرفها عن ظاهرها إلا بنص أو قرينة.
وعندما أريد صرف الساق عن ظاهرها، فهل أبحث لها عن صارف؟ لو قلت: نعم.
فلن أجد لها صارف في اللغة، وبعد أن أصرفها عن ظاهرها إلى معناها اللغوي سأجد الحديث قد صرح بأن الساق ساق لله عز وجل، إلا إذا كنت سأصرف لفظ الله أو الرب عن ظاهره فأقول: الله هذا، أو الرب هذا مخلوق من المخلوقات! ألا يمكن أن يقول أحد بذلك؛ لأن الحديث: (يوم يكشف الله عز وجل عن ساقه)، فهل أستطيع أن أتصرف في هذا اللفظ؟ بمعنى أن أقول: ليس المقصود هنا بالله عز وجل: (الإله المعبود).
إن من يقول بذلك سيكون مجنوناً بلا شك، ولو قلت: إن الله عز وجل ليس المقصود به: الإله المعبود! سأنظر وأجد الحديث الثاني يقول: (يوم يكشف ربنا عن ساقه).
فلا يجتمع في مخلوق قط لفظ الرب مع لفظ الله، ممكن أن يكون رب البيت، رب الدار، رب الغنم، رب البقر، لكن الرب -بالتعريف-