روى البخاري ومسلم في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله عز وجل يكشف عن ساقه).
فإذا قلنا: إن المراد بالساق الشدة، فيكون معنى الكشف الإزالة.
أي: يزيلها، وهذا كلام لا تحتمله اللغة.
قال ابن الجوزي: وقد ذهب القاضي أبو يعلى: إلى أن الساق صفة ذاتية، وقال مثله في: (يضع قدمه في النار).
فـ ابن الجوزي ينكر على أبي يعلى الفراء إثبات أن الساق والقدم صفة ذاتية لله عز وجل.
ويقول ابن الجوزي: إثبات الساق مع القدم لابد وأنه يستدعي تشبيه الخالق بالمخلوق! والجواب عليه من وجهين: الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وليس هناك شيء العناية بتبيينه أعظم من العناية ببيان أسماء الله وصفاته، ومن ثم كان بيان هذا الباب أعظم من بيان الأحكام؛ لأن البيان في باب الاعتقاد أولى منه في باب الأحكام والحلال والحرام، ولأن معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته هي أساس الإيمان، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يبين هذا الباب بياناً عاماً، فعلمه الخاص والعام، وعلمه العالم والجاهل، والبدوي والحضري، ولم يستنكر أحد منهم شيئاً في هذا الباب قط، ولم يقع في أذهانهم ولا في ذهن واحد منهم أن إثبات صفات الرب جل وعلا تقتضي مماثلة الخالق بالمخلوق، أو تشبيه الخالق بالمخلوق، وإنما آمنوا بها إجمالاً على الوجه اللائق بالله عز وجل، وإنما وقع هذا الفهم الفاسد في قلوب الجهمية وأضرابهم من أهل الإفك والضلال والتنطع في دين الله جل وعلا، وتعالى الله عن أن تكون صفاته مثل صفات خلقه، فإذا كان المخلوق له يد والله تعالى له يد، فلابد وأننا نثبت اليد الحقيقية لله عز وجل على ما يليق بجلال ذاته وعظمته، بخلاف المخلوق، فهي شبيهة وشريكة ليد الله عز جل في الاسم دون المسمى؛ لأنها يد ويد الله تعالى يد، فهما متماثلتان ومتشابهتان في الاسم فقط دون المسمى ودون الحقيقة، فحقيقة يد المخلوق تختلف تماماً عن حقيقة يد الخالق تبارك وتعالى، ولا يعلم حقيقتها ولا كيفيتها إلا الله عز وجل، فكيف نقول بالمماثلة والمشابهة بين صفات الخالق وصفات المخلوق؟! لكن أهل البدع لا يفهمون من صفات الخالق إلا ما فهموه من صفات المخلوق، فقالوا: إن الله تعالى قد خاطبنا بأن له يد، ونحن نعلم ما هي اليد؟ بدليل أننا نراها، والله تبارك وتعالى لما أخبر أن له يداً، وأنا أعلم سلفاً يدي وكيفية يدي، فلابد وأن يكون الله تعالى قد خاطبني بما أفهم، وخرجوا من ذلك بأن يد الله تبارك وتعالى كيد خلقه؛ لأن الله تعالى لابد وأنه قد خاطبنا بما نفهم.
والجواب عليهم: أن الله تبارك وتعالى له ذات، وهم يؤمنون بذلك، فهل ذات الله كذات المخلوق؟! لا.
فذات الله ليست كذات المخلوق، وأقصى ما يمكن أن يقوله: إن ذات الله تبارك وتعالى لا يعلمها إلا هو.
فنقول: وكذلك الكلام في الذات كالكلام في الصفات، فكما أن ذاته خفية وغيبية عنا، ولا يعلم كيفيتها أحد من الخلق، فكذلك صفاته -ومنها: الساق- لا يعلم كيفيتها إلا هو سبحانه، وعليه لما اختلفت الذات لابد أن تختلف الصفات.
ومن هنا نحن نثبت الصفات لله عز وجل على الوجه الحقيقي اللائق به، ولا يعلم كيفية الذات ولا كيفية الصفات إلا هو سبحانه وتعالى، ولم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا رسول مرسل، ولا نبي تنبأ.
وعليه فقولهم: إن إثبات الصفات لله عز وجل تقتضي المماثلة بينها وبين صفات المخلوق عجز وضعف عقلي عندهم؛ لأنهم لا يفهمون من صفات الخالق إلا ما يفهمونه من صفاتهم هم، مع أن هذا ليس بلازم، بدليل: أن الله تبارك وتعالى خلق خلقاً عظيماً كثيراً، وجعل لكل مخلوق من مخلوقاته يداً وساقاً وعيناً وقدماً، وغير ذلك من الجوارح، فهل يقول ذلك المتأول: إن ساق الله تبارك وتعالى كساقي فنقول له: إن الله عز وجل قد خلق خلقاً كثيراً غيرك، سواء من الحيوان، أو الدواب، أو الطير، أو الإنس، أو الجن، أو غيرها، فلم لا تقول: إن الله تعالى له ساق كساق الجن، أو كساق الملائكة، وهم أعظم وأشرف خلقاً من العصاة.
سيرد قائلاً: لأن الله تعالى خاطبني أنا بذلك.
فهذه الحجة مردودة؛ لأن الله تبارك وتعالى قد بعث نبيه أيضاً للجن، فإذا كنت تقول: إن ساق الله كساقك أنت، فلم لا يكون ساقه كساق الجن، وهم مكلفون مخاطبون بأوامر الشرع أمراً ونهياً؟ لابد وأنه ستسقط حجته، ويسلم في نهاية الأمر بإثبات الساق لله عز وجل التي تختلف عن جميع سوق المخلوقات من الإنس والجن والطير والدواب والهوام والحشرات وغير ذلك، لابد وأنه سيصل في النهاية إلى الإقرار والاعتراف بهذا.
وقد اتفق علماء السلف على إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، إثباتاً بلا تمثيل ولا مشابهة بينه وبين خلقه، وتنزيهاً بلا تعطيل.
أي: ننزه الله تبارك وتعالى أن تكون صفاته كصفاتنا، وفي الوقت ذاته نثبتها لله عز وجل، فنحن نثبت