إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فمع صفة أخرى لله عز وجل، وهي من الصفات الخيرية اللازمة لذاته سبحانه، وهي صفة الرجل أو القدم، وكلاهما بمعنى واحد، وهذه الصفة ثبتت لله عز وجل بالسنة لا بالكتاب ولا بالإجماع إلا أن يكون إجماع أهل السنة والجماعة، أما إجماع الأمة فلا، لأن الفرق الضالة خالفت أهل السنة والجماعة في هذه الصفة.
وإذا قلنا: إن هذه الصفة ثبتت في سنة النبي عليه الصلاة والسلام فيلزمنا سوق الأدلة على ذلك.
قال أبو هريرة في المحاجة التي دارت بين الجنة والنار: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين.
وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم.
فقال الله تبارك وتعالى للجنة حينئذ: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي.
وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها).
أي: على الله تعالى أن يملأ الجنة وأن يملأ النار.
(فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الجبار رجله فيها، فتقول: قط قط قط).
أي: اكتفيت اكتفيت اكتفيت، أو حسبي حسبي حسبي.
(فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحداً، وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقاً)، أي: يخلق لها خلقاً حتى يملأها.
الشاهد من الحديث: أن النار لا تمتلئ حتى يضع الجبار فيها قدمه، فهذا المقطع من الحديث يفيد ثبوت صفة القدم لله عز وجل.
وروى البخاري هذا الحديث من حديث أنس رضي الله عنه بنحو هذه الرواية.
وابن عباس رضي الله عنه قال: الكرسي موضع القدمين، والكرسي هو أحد مخلوقات الله عز وجل العظيمة، قال الله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة:255].
ومعنى: وسع.
أي: شمل وأحاط.
فهذه السماوات السبع وهذه الأرضين السبع ما هي في الكرسي إلا كحلقة في فلاة.
والعرش أعظم من الكرسي؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما السماوات السبع والأرضون السبع بالنسبة للكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة).
هذا حديث عظيم جداً يدل على أن الكرسي بالنسبة إلى العرش لا شيء، كما أن السماوات والأرض بالنسبة إلى الكرسي لا شيء، ومثل النبي عليه الصلاة والسلام لهذا بمثل عظيم جداً ليقرب الأذهان، فقال: هب أن السماوات والأرض حلقة بين يديك ألقيتها في صحراء هل تظهر لك هذه الحلقة؟
صلى الله عليه وسلم لا.
بل تختفي؛ لأنها ليست شيئاً بالنسبة إلى هذه الفلاة.
قال: إذا كانت السماوات والأرض في الكرسي على هذا النحو فالكرسي نفسه لا يمثل شيئاً بالنسبة إلى العرش، فكيف يكون حجم العرش حينئذ؟ إنه عظيم جداً، والله تبارك وتعالى من فوق العرش.
وتصور أن الكرسي الذي هذا وصفه وأن السماوات والأرض بالنسبة له لا شيء هو موضع قدمي الله عز وجل، فكيف تكون هاتان القدمان لله عز وجل؟ أمر لا يمكن أبداً أن يدخله قياس ولا أن يحيط به عقل، فسبحان الله الكبير المتعال، أثبت لنفسه العلو وأثبت لنفسه اسم الكبير وصفة الكبر، بل العظمة رداؤه والكبر إزاره سبحانه وتعالى، فلابد أن كل صفة من صفاته تليق بكبريائه تبارك وتعالى وعظمته وعلوه فوق عرشه.
فإذا كنا لا نستطيع تكييف مخلوق لله عز وجل وهو الكرسي فعجزنا عن تصور ذات الله أولى.
وهذه الأرض بين أيدينا ونحن نعيش عليها، لكنها ليست أرضاً واحدة، وكانوا قديماً يقولون: ليس بعد بلاد مغرب العرب بلاد أخرى، وكانوا يقولون: بحر الظلمات الذي ليس بعده شيء، ثم اكتشفوا منذ حوالي (400) عام دولة أمريكا، اكتشفوها بعد أن أيقنوا أنه ليس بعد بلاد المغرب العربي بلاد أخرى؛ اكتشفوا أعظم دولة، والآن رجعوا إلى نفس الكرة مرة أخرى وقالوا: ليس بعد أمريكا إلا بحر الظلمات، والمسافة من أول أمريكا إلى آخرها عشر ساعات بالطائرة متواصلة.
يعني: كما بين مصر إلى أمريكا.
لكن هل أمريكا آخر بلدان العالم؟ لابد أن يتصل الغرب بالشرق؛ ولذلك هذا كلام أثاره أهل العلم بمناسبة ذكر المسيح الدجال وحديث الجساسة الذي رواه مسلم في آخر كتاب الصحيح.
قالوا: المسيح الدجال موجود من زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وحديث تميم الداري في ذكر الدجال في صحيح مسلم، يثبت أن تميماً الداري رأى المسيح الدجال ورأى الجساسة.
وهل هو ابن صياد