قال النووي في قوله عليه الصلاة والسلام: (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن) هذا من أحاديث الصفات، وفيها القولان السابقان، والإيمان بها من غير تعرض لتأويل ولا لمعرفة المعنى.
وهذا الكلام غلط، ومردود عليه؛ لأن المعنى معلوم لدى السلف.
إن أهل السنة يفرقون بين تفويض العلم، وتفويض المعنى، وتفويض الكيف، فتفويض العلم ليس مذهب أهل السنة الجماعة، لأنهم علموا يقيناً أن {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، لأن الخبر ورد بذلك فليس عندي مجال أن أفوض علم الاستواء لله عز وجل، لأن الله عز وجل هو الذي أعلمني وأخبرني في كتابه أنه استوى.
أما تفويض معنى الاستواء لله عز وجل هو أنني لا أعرف أن الله قد أخبرني بالاستواء، ولا أعلم معنى الاستواء، وأفوضه لله عز وجل، وهذا غلط لأن الاستواء معناه: الفوقية والارتفاع والعلو، فلا يفوض العلم والمعنى، وإنما تفوض الكيفية.
وليس من اختصاصي أن أعرف كيفية استواء ربنا على العرش، وهذا من اختصاص ربنا، لأني لم أر الله عز وجل، ومن أجل أن أكيف لك الاستواء لابد أن أراه سبحانه وأنا لم أره، فيقال: فلان استوى على الكرسي بمعنى أنه تربع أو جلس مدلدلاً رجليه، واستوى عليه بمعنى علا وارتفع عليه أو استقر عليه أو استولى عليه، وهذه المعاني كلها في الاستواء لا تليق بالمولى عز وجل، وإلا في النهاية لو أن الاستواء في حق المخلوق مثل حق الخالق سيكون ربنا في النهاية جالس على الكرسي ولابس عمامة تعالى الله عن ذلك.
وأصحاب الجمعية الشرعية يقولون عن السلفيين أنهم يريدون أن يجلسوا ربنا على الكرسي ويلبسونه عمامة، وهذا كلام في منتهى الإجرام في حق المولى تبارك وتعالى.
قال: (الإيمان بها من غير تعرض لتأويل ولا لمعرفة المعنى).
لا يا حبيبي نحن نعرف المعنى جيداً معنى أن الله له أصابع نحن نعرف الأصابع؛ لأن الله تبارك وتعالى خاطبنا بما نعلم، بكلمات نعلم معناها، فلا يتصور أن الله تبارك وتعالى خاطبنا بما لا يقع له معنى في عقولنا، وإلا فربنا يخاطبنا بالمحال، والمخاطبة بالمحال غير واردة في الشرع وهي مسألة محل خلاف عند الأصوليين، والراجح فيها أن الله لم يخاطب عباده إلا بمعان معلومة لديهم، فمعنى الأصابع معلوم لدينا، لكن أصابع الخالق تليق بالكمال والجلال الثابت لله عز وجل.
قال: (بل نؤمن بأنها حق، وأن ظاهرها غير مراد).
أي: أنه يؤمن بأنها حق، وهذا كلام جميل، يؤمن بأن الله تبارك وتعالى له أصابع على الحقيقة، وأن هذا حق وليس باطلاً.
أما قوله: (وأن ظاهرها غير مراد).
هنا لابد أن يوقعك في التأويل، وينصرف النص عن ظاهره، بل نقول: إن ظاهر هذه النصوص التي أثبتت لله الأصابع مراد لله عز وجل حقيقة على المعنى اللائق به تبارك وتعالى.
ومعنى (غير مراد).
أي: غير معلوم لدي، ولذلك لما سئل مالك بن أنس عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] قال: الاستواء معلوم -لأن الله أخبرنا- والكيف مجهول.
إذاً: نفوض الكيف، لا العلم والمعنى، فتعمل عملاً لا يليق، بل يجب عليك أن تفوض الكيف، فتقول: لله أصابع.
فالعلم قام لدي بأن لله أصابع من أجل خبر ورد ولذلك نحن نسميها صفات خبرية ذاتية؛ لأنها قد وردت في الخبر، وذاتية أي ملازمة لذات الله تبارك وتعالى لا تنفك عنه، فنقول: إن لله أصابع، وأن هذه النصوص على ظاهرها، والمراد منها معلوم لدينا على الوجه اللائق لله عز وجل، ولا نعلم كيفية أصابع المولى عز وجل.
قال النووي: والثاني: التأويل.
وهذا خطأ في الفهم من النووي لمعتقد أهل السنة والجماعة، وكل الناس يؤخذ من قوله ويرد، والتأويل ما كان يليق بالله عز وجل أبداً، ولذلك فإن النووي كان يخلط بين مذهب السلف والخلف كأنه لا يعلم كيف هذا.
قال: تؤول بحسب ما يليق بها، فعلى هذا فإن المراد هو المجاز -والسلف لا يقولون بالمجاز في الصفات بل حاربوا من قال بذلك أشد المحاربة- كأن يقول القائل: فلان في قبضتي، وفلان في كفي ولا يراد به أنه حال في كفه بل المراد تحت قدرتي.
ويقال: فلان بين أصبعي أقلبه كيف شئت.
أي أنه قادر على قهره والتصرف به كيف شاء.
والكلام هذا يصح في لغة المخلوقين ومع المخلوقين بعضهم البعض، لكن لا يصح مع الله قط؛ لأنه لا يشبه المخلوقين لا في وحدانيته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، والقدرة من أفعاله تبارك وتعالى، والتصرف من أفعاله تبارك وتعالى، فقدرة الخلق ليست كقدرة الخالق ولو أجمع الخلق أجمعون على قدرتهم وجعلوها في رجل واحد.
قال: فمعنى الحديث أنه سبحانه وتعالى متصرف في قلوب عباده.
يعني: جعل الأصابع عبارة عن التصرف؛ لأنه قاس الخالق على المخلوق، فإن الأصابع في حق المخلوق تقبض وتبسط، وتدفع وغير ذلك، فكذلك قالوا: قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ليس الأمر على حقيقته وعلى ظاهره، بل هذا كلام مجاز تعبير عن قدرة الله عز وجل أنه