هناك صفة أخرى لله عز وجل أحب أن أذكرها؛ لأنها تابعة لصفة الأصابع، وهي صفة (الأنامل) وإثباتها لله عز وجل، فقد ثبت فيما رواه أحمد في مسنده عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى ربه عز وجل فيما يرى النائم.
وأنتم تعلمون أن الخلاف قائم في رؤية النبي عليه الصلاة والسلام لربه في ليلة الإسراء والمعراج، ولكن هذا له درس مخصوص، سيأتي بإذن الله.
أما الذي لا خلاف فيه بين الأمة أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى ربه في المنام بدليل حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي فيما يرى النائم في أحسن صورة، فقال: يا محمد! فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري.
قالها ثلاثاً.
قال: فرأيته وضع كفه بين كتفي) وهذا فيه إثبات لصفة الكف لله عز وجل.
قال: (حتى وجدت برد أنامله في صدري): يعني المولى تبارك وتعالى وضع كفه التي تليق به سبحانه وتعالى بين كتفي النبي عليه الصلاة والسلام، ولو فسرنا الكف بالنعمة فهل يتصور أن يكون المعنى: إن الله وضع نعمته بين كتفي النبي عليه الصلاة والسلام؟ لا بد وأن نقول: بأنها كف حقيقة على المعنى اللائق بالمولى عز وجل.
قال: (حتى شعرت ببرد أنامله في صدري).
فهذا الحديث يثبت لله تعالى صفتين صفة الكف وصفة الأنامل، وهو حديث صحيح لغيره، أخرجه أحمد، والترمذي، وابن خزيمة، وابن أبي عاصم.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رد على الإمام الرازي صاحب التفسير لما أول قوله: (وجدت برد أنامله) بالعناية، وأنه وجد أثر تلك العناية يفسر بأن الله تعالى وضع كفه على النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتنى به أعظم عناية، فشعر النبي عليه الصلاة والسلام بهذه العناية في صدره، فرد عليه ابن تيمية فقال: فتخصيص أثر العناية لا يجوز.
يعني: إذا كان الأمر كما قال الرازي فلن يكون هناك معنى جديد من أنه شعر ببرد أنامله على صدره، ونحن نعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم أبلغ العرب، فهل يقول كلاماً ليس له معنى، أم كلامه كله له معنى؟ فكلامه صدر عن حكمة، وعن وحي، وتشريع، فلا يتصور أبداً تخصيص أنه شعر بذلك في صدره، فلماذا ما شعر في جميع بدنه؟ إذا كانت رجلك تؤلمك فإنك تستشعر بأن الله تعالى سحب منها نعمة القوة والدفع والنزع، أما إذا كانت لا تؤلمك فإنك تستشعر بأن نعم الله تبارك وتعالى وعناية الله تبارك وتعالى تحيط بك حسياً ومعنوياً فلماذا خصص النبي عليه الصلاة والسلام أنه شعر ببرد أنامل المولى عز وجل على صدره؟ ولماذا لم يقل: في بطنه، أو في ظهره، أو قدمه، أو في عقله أو غير ذلك؟ فكونه خص الصدر لابد أن يكون ذلك لفائدة.
قال: فتخصيص أثر العناية لا يجوز إذا لم يوضع بين الكتفين شيء قط، وإنما المعنى أنه صرف الرب عنايته إليه، فكان يجب أن يبين أن أثر تلك العناية متعلق بما يعم، أو بأشرف الأعضاء، وما بين الثديين كذلك بخلاف ما إذا قرأ الحديث على وجهه، فإنه إذا وضعت الكف على ظهره نقل بردها إلى الناحية الأخرى وهو الصدر، ومثل هذا يعلمه الناس بالإحساس، وأيضاً فقول القائل: وضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي.
هذا نص من النبي عليه الصلاة والسلام لا يجوز صرفه، ولا يحتمل التأويل والتعبير بمثل هذا اللفظ يعني: لا يتصور أن يكون هذا البرد الذي قال به النبي صلى الله عليه وسلم هو مجرد العناية؛ لأن العناية ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم قبل هذه الرؤيا، وهذا أمر يعلم بطلانه بالضرورة من اللغة العربية، وهو من غث كلام القرامطة والسفسطائية.
ثم قال ابن تيمية الوجه الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة أشياء حيث قال: (فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها).
وفي رواية: (برد أنامله على صدري فعلمت ما بين المشرق والمغرب).
يعني هذه الرؤيا كان فيها العلم، وقوله: (فعلمت ما بين المشرق والمغرب).
يعني علمت فيم يختصم الملأ الأعلى.
لأن السؤال الأول: (أتدري فيم اختصم الملأ الأعلى؟ قال: لا يا رب).
وهذه الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله عز وجل على علم ما بين السماء والأرض إلى قيام الساعة.
قال: (فعلمت ما بين المشرق والمغرب) فذكر وضع يده بين كتفيه، وذكر غاية ذلك أنه وجد برد أنامله بين كتفيه وهذا معنى ثان، ويجوز هذا أيضاً عن شيء مخصوص في محل مخصوص، وكل هذا يبين أن أحد هذه المعاني ليس هو الآخر، والشاهد من هذا الكلام كله: أن صفة الكف ثابتة لله عز وجل، وصفة الأنامل ثابتة لله عز وجل، وصفة الأصابع ثابتة لله عز وجل.