إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد: فلا زلنا نتكلم عن صفات الباري تبارك وتعالى، واليوم بمشيئة الله عز وجل نتكلم عن صفة الأصابع لله تبارك وتعالى، بعد أن تكلمنا أنه ذو يدين سبحانه وتعالى، وكلتا يديه يمين لا شمال فيهما، وأما الأحاديث التي وردت تثبت أن لله يميناً وأن له شمالاً فأحاديث شاذة ضعيفة خالفت كتاب الله عز وجل، وخالفت ما اتفق عليه البخاري ومسلم من أن كلتا يديه سبحانه يمين، ورددنا كل تأويل صرف لفظ اليد لله عز وجل عن ظاهرها وعن حقيقتها، والذي قلناه في صفات اليد لابد وأننا سنقوله في كل صفة ولذلك فإننا لا نعيد الكلام اعتماداً على فهمه في المرة الأولى أو الثانية.
واليوم نتكلم عن صفة الأصابع فنقول: لله عز وجل أصابع، وإذا كنا لا نعلم كيفية اليد، فإننا كذلك لا نعلم كيفية الأصابع لله عز وجل، ولكننا نثبتها له سبحانه وتعالى بلا كيف ولا حد، فلا نستطيع أن نكيف صفات المولى تبارك وتعالى، سواء كانت صفاته الفعلية، أو الخبرية الذاتية، ومعنى أنها صفة ذاتية.
أي: أنها لازمة لذاته تبارك وتعالى لا تنفك عنه، أولية بأوليته دون ابتداء، وآخرية بآخريته بلا انتهاء، بخلاف -مثلاً- صفة الكلام لله عز وجل وصفة النزول، وصفة المجيء وغيرها من الصفات، فإن الله تبارك وتعالى أعلمنا أنه ينزل في الثلث الأخير من الليل، فلا يجوز لأحد أن يقول: إنه ينزل في الثلث الأول، أو ينزل في النهار، أو ينزل في بعض الليل دون بعضه، إلا ما حدده الله تعالى ورسوله، فإذا كان الخبر يثبت أنه ينزل في الثلث الأخير من الليل، فيمنع أن يقول أحد: أنه ينزل في منتصف الليل، أو في أول الليل أو في بعض أجزاء النهار؛ لأنه ينزل حيث أخبر، وبالطريقة التي تليق به تبارك وتعالى.
إذاً: الله تبارك وتعالى ينزل في وقت ولا ينزل في وقت آخر، ولا ينزل في بقية الليل وكذلك النهار، وإنما ينزل في الثلث الأخير من الليل، والله تبارك وتعالى يتكلم بأي كلام متى شاء، وله أن يتكلم في وقت دون وقت، لكننا لا نقول: إن لله تبارك وتعالى يد بالليل، وليست له يد بالنهار، لأنها صفة ذاتية، ومعنى ذاتية أنها ملازمة لذاته لا تنفك عنه، فيمتنع أن نقول في هذه الصفات: إنها ثابتة لله عز وجل في وقت دون وقت، وإنما هي ثابتة له في كل وقت وحين، فإن الله تبارك وتعالى لا تنفك عنه يده، كما أنه لا تنفك عنه أصابعه.
يعني: لا يوصف في وقت أنه ذو أصابع، ثم ننفي عنه في وقت أنه ذو أصابع، لأنها لازمة له على الدوام من الأزل وإلى الأزل، دون بداية ولا نهاية.
ذكر غير واحد من العلماء في كتبهم أن صفة الأصابع لله عز وجل ثابتة لله عز وجل، وتلقاها بالقبول أهل السنة والجماعة، ومما يؤيد ذلك: ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما -أي: البخاري ومسلم - وكذلك ذكره ابن عبد البر في كتابه العظيم: (التمهيد)، وقد جمع أكثر طرقه الإمام الدارقطني في رسالة صغيرة لطيفية جداً سماها: (صفات الباري تبارك وتعالى)، هذه الرسالة ليس فيها حديث إلا له تعلق بصفات الله عز وجل، والإمام الدارقطني كان على رأس طبقته ممن يدعو إلى السنة على منهج النبوة، فقد كان إماماً عظيماً جبلاً من جبال السنة والداعين إليها، الآمرين فيها بالمعروف، والناهين فيها عن المنكر، جمع في هذه الرسالة عدة أحاديث تثبت صفات المولى تبارك وتعالى.