وأما وجه تسميتهم بأصحاب الحديث وأهل الحديث: تمسكهم بالكتاب والسنة، والنبي عليه الصلاة والسلام قد حث وأمر المسلمين بالتمسك بالكتاب، فلما كانوا هم أعلم الناس، وأخبر الناس بحديث النبي عليه الصلاة والسلام كانوا أكثر الناس تمسكاً بالكتاب والسنة.
قال: [واغتاظ بهم الجاحدون، فإنهم وهم حماة السواد الأعظم والجمهور الأضخم، فيهم العلم والحكم، والعقل والحلم، والخلافة والسيادة، والملك والسياسة، وهم أصحاب الجمعات والمشاهد، والجماعات والمساجد، والمناسك والأعياد، والحج والجهاد، وباذلي المعروف للصادر والوارد، وهم حماة الثغور والقناطر، الذين جاهدوا في الله حق جهاده، واتبعوا رسوله على منهاجه، الذين أذكارهم في الزهد مشهورة، وأنفاسهم على الأوقات محفوظة، وآثارهم على الزمان متبوعة، ومواعظهم للخلق زاجرة، وإلى طرق الآخرة داعية، فحياتهم للخلق منبهة، ومسيرهم إلى مصيرهم لمن بعدهم عبرة، وقبورهم مزارة، ورسومهم على الدهر غير دارسة -أي: ظاهرة غير منطمسة- وعلى تطاول الأيام غير منسية، يعرف الله إلى القلوب محبتهم -أي: يسوق الله تبارك وتعالى حبهم ويغرسه في قلوب الخلق- ويبعثهم على حفظ مودتهم، يزارون في قبورهم كأنهم أحياء في بيوتهم لينشر الله لهم بعد موتهم الأعلام حتى لا تندرس أذكارهم على الأعوام، ولا تبلى أساميهم على مر الأيام، فرحمة الله عليهم ورضوانه، وجمعنا وإياهم في دار السلام].
عقيدة أهل الحديث لا تزال محفوظة، والله تبارك وتعالى يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها على عقيدة أهل الحديث، وهي عقيدة النبي عليه السلام وأصحابه الكرام.
والمؤلف جزاه الله خيراً قد بذل جهده في تأليف هذا الكتاب، وهو ما سعى فيه إلا لإظهار عقيدة أهل السنة والجماعة على منهج أصحاب الحديث.
قال: [ثم إنه لم يزل في كل عصر من الأعصار إمام من سلف، أو عالم من خلف قائم لله بحقه وناصح لدينه فيها].
نكتفي بهذا، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.