والشوكاني سلفي، وله كتاب اسمه: التحف في مذاهب السلف، ولكنه وقع في التأويل، وقد نبهنا مراراً أن الذي يتحرى الحق ولا يصيبه ليس كالذي يتعمد الباطل، وهذا مثل الزمخشري.
إن الزمخشري في تفسيره للآيات التي أثبتت رؤية المؤمنين لربهم تبارك وتعالى صرف هذه الآيات عن ظاهرها، ولم يتكلم فيها، ولما أتى إلى الأحاديث التي تثبت ذلك سمى أهل السنة: الحشوية.
وقال: لقد صنع الحشوية أحاديثاً يثبتون بها -بزعمهم- رؤية المؤمنين لربهم.
وهذه الأحاديث متواترة، والذي يردها كافر، فالذي يرد الحديث المتواتر كالذي يرد الآية من كتاب الله؛ لأن هذا ثابت بالتواتر وذاك ثابت بالتواتر، ولكنه لم يستطيع أن يرد الآية فأولها، وهذا مذهب أهل البدع.
يعني: إذا لم يستطيعوا نزعها من جذرها تعرضوا لها بالتأويل.
يعني: يصرفوها عن ظاهرها.
فكأنه يقول: الحديث أمره سهل، وأما الآية فلا أستطيع؛ لأن الأمة كلها ستقوم علي، وأما الحديث فهو محل أخذ ورد، فهو يقول عن الأحاديث التي أثبتت الرؤية: أنتم الذين صنعتموها.
قال الإمام الذهبي رداً على الزمخشري: ليته ما تكلف.
فهل أهل السنة سيطبقون ويجمعون في الأرض مع اختلاف بلدانهم وألسنتهم وألوانهم ومعارفهم على اختلاق أحاديث تبلغ حد التواتر؟ فالمتواتر عند المحدثين هو: الحديث الذي روي بالعدد الكثير في كل طبقة من الطبقات من أول السند إلى منتهاه بحيث يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب.
يعني: لا يمكن أبداً أن يتفق مغربي مع واحد مصري مع شامي مع حجازي مع يمني مع طلياني في إثبات حديث وسياقه على نسق واحد إلى النبي عليه الصلاة والسلام؛ إذ إن كل واحد من هؤلاء في جهة، ومع هذا يتناقلون حديثاً على وجه واحد، فهذا يدل على صدقهم، ومع ذلك قال الزمخشري: إنهم صنعوا أحاديث يثبتون بها رؤية المؤمنين لربهم.
وهذا لم يضرب ولم يقتل في ذلك الوقت، وهو أشر من الحكام.