قال: [سياق ما دل من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بأن الله سميع بسمع، بصير ببصر، قادر بقدرة، قال الله عز وجل: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:224]].
فأثبت لنفسه السمع والعلم.
[قال تبارك وتعالى: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم:42]].
وهذا قول إبراهيم لأبيه، وهذه الآية بمفهوم المخالفة تثبت أن الإله يسمع ويبصر وهو الغني ولا يغني عنك شيئاً؛ لأنه الغني تبارك وتعالى.
[وقال في قصة موسى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]، وقال عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1]، وروي عن عمر أنه كلمته هذه المرأة.
فقيل لها: أكثرت على أمير المؤمنين.
فقال: دعها أما تعرفها؟ هي التي سمع الله منها] أي: فأولى بنا أن نسمع.
فـ عمر رضي الله عنه أثبت لله صفة السمع، فقال: دعها أما تعرفها هي التي سمع الله جدالها.
وهذا نص من عمر بن الخطاب وفيه انقطاع، ولكن يشهد له أصل القصة أنها في كتاب الله عز وجل.
[وقالت عائشة: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات].
يعني: سمع الله تبارك وتعالى أحاط بجميع الأصوات، لا أقول: يسمع أصوات الآدميين فحسب، بل وأصوات جميع المخلوقات آدميين وغير آدميين من شجر وبشر وحجر وخيل وريح وجميع المخلوقات.
[وقال النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع أصحابه يرفعون أصواتهم بالدعاء، فقال: (أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً)].
وكان هذا في غزوة من الغزوات، كانوا كلما نزلوا منزلاً أو صعدوا جبلاً رفعوا أصواتهم بالدعاء، فأتاهم النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (أربعوا).
يعني: تلطفوا وأرفقوا بأنفسكم، (إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنما تدعون سميعاً بصيراً).
فنفى عنه صفة النقص، وأثبت له صفة الكمال، فالله تبارك وتعالى لا يتصف بالصفات التي تليق بالمخلوقين كالصمم وغيرها، فأثبت له الكمال في السمع والبصر، ونفى عنه صفة الأصم والغائب؛ لأن الله تعالى لا يغيب عنه شيء، لأنه حي قيوم.
[وأشار النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة لما قرأ (سميعاً بصيراً) فوضع أصبعه السبابة التي يدعو بها وإبهامه على عينه وأذنه -يعني بذلك- أن الله تعالى يسمع بسمع، بصير ببصر].
لكن لا يلزم من هذه الإشارة أن الله تعالى له عين كعيني وأذن كأذني، خاصة وأن الذي فعل ذلك هو النبي عليه الصلاة والسلام، وقد حذرنا من أن نمثل صفات المخلوق بصفات الخالق، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يبين لنا أن المولى تبارك وتعالى يتصف بصفات هي صفات لنا من جهة الاسم فقط، فما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك وقدر فارق.
فالقدر المشترك بين سمع الله وسمع المخلوق هو في الاسم فقط ومن ذلك أن الدنيا فيها تفاح والجنة فيها تفاح، والدنيا فيها عسل ولبن وخمر والجنة فيها عسل ولبن وخمر، فهل خمر الجنة وعسلها وتفاحها كخمر الدنيا وعسلها وتفاحها؟ شتان ما بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة.
إذا كان هذا الاختلاف في المخلوقات التي خلقها الله سواء في الدنيا أو في الآخرة، فإنهما يختلفان تماماً من جهة المذاق والحلاوة، فكذلك صفات الله تعالى تختلف عن صفات المخلوق.
قال: [عن أبي موسى رضي الله عنه: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) -يعني: أقرب شيء إلى شعر رقبة بعيره- قال أبو موسى: (فقلت في نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم قال: يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله)]، فالله تعالى معنا بسمعه وعلمه وبصره، أما ذاته العلية تبارك وتعالى فهو فوق العرش.
قال: [عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله عز وجل، يشرك به ويجعل له ولد، وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم) أخرجه مسلم من حديث جرير، والبخاري من حديث الأعمش].
فأي حلم وأي صبر للمولى عز وجل! والشاهد من هذا الحديث: إثبات السمع لله عز وجل، فهو الذي يخلق الخلق ويعافيهم ويرزقهم الصحة والرزق والمال والطعام والشراب وغير ذلك، ثم بعض هؤلاء الخلق يطوفون حول قبر البدوي، أو الحسين، ويدعونهم من دون الله عز وجل، وهذا من أعظم الظلم لله عز وجل، وهو أن تجعل لله نداً وهو خلقك.
قال: [عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنه سميع بصير، فوضع أصبعه السبابة وإبهامه على عينه وأذنه) أخرجه أبو داود، وهو إسناد صحيح على شرط مسلم يلزمه إخراجه]