وعن مجاهد قال: قيل لـ ابن عباس: إن ناساً يقولون بالقدر -أي: يتكلمون فيه وينفون علم الله تبارك وتعالى بما كان وما سيكون- فقال: (يكذبون بالكتاب، لئن أخذت بشعر أحدهم لأنصونه)، يعني: لئن ظفرت بواحد منهم لأضربنه ضرباً مبرحاً، وعبر عنهم بأنه إذا لقي الواحد منهم أخذ شعره حتى يقطعه ولا يبقي في رأسه شعرة، قال: (إن الله عز وجل كان على عرشه قبل أن يخلق شيئاً، فخلق الخلق فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه)، والشاهد في قول ابن عباس في الباب: إن الله عز وجل كان على عرشه قبل أن يخلق شيئاً، فإن الله تعالى كان على العرش، وأهل العلم اختلفوا: هل القلم خلق أولاً أو العرش؟ لأنه قد وردت نصوص تدل على أن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، وورد أن الله تعالى قبل أن يخلق شيئاً من مخلوقاته خلق العرش؛ لأنه كان على العرش ولم يكن شيئاً.
واختلاف أهل العلم له محاضرة أخرى؛ لأن الكلام فيه والتأويل فيه طويل جداً، ويحتاج إلى صفاء ذهن في هذه الجزئية على جهة الخصوص: هل خلق العرش أولاً أو القلم؟ ولكن الراجح: أن القلم خلق أولاً، وخلق الله تعالى العرش فاستوى على العرش.
وعن عكرمة في قوله تعالى: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف:17]، ولم يقل: سآتيهم من فوقهم.
قال ابن عباس: لم يستطع أن يقول: من فوقهم؛ لعلمه أن الله من فوقهم.
وعن بشر بن عمر قال: سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، قال: ارتفع.
لأن استوى في لغة العرب بمعنى (علا وارتفع)، خاصة إذا قيدت بالمولى تبارك وتعالى، فاللفظ له معنى عند الإطلاق، وله معنى عند التقييد، فعند الإطلاق (استوى) بمعنى: (علا وارتفع)، وذلك عند العرب، فإنهم لا يعرفون (استوى) إلا بمعنى: (علا وارتفع)، وعند التقييد لها معان متعددة سنذكرها الآن.