إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
في الدرس الماضي ذكرنا عشراً من القواعد التي تلزم كل مسلم -فضلاً عن طالب العلم- في سبيل دراسته لعلم الاعتقاد، وقلنا: إن صفات المولى تبارك وتعالى لا يمكن فهمها كما فهمها السلف إلا من خلال هذه القواعد، وهذه القواعد كنا قد استفدناها من كتب شيخي الإسلام ابن تيمية، وابن القيم وقد جمع جلها شيخنا محمود عبد الرازق المنصوري في كتاب سماه: توحيد الصفات بين معتقد السلف وتأويل الخلف، وبالأمس أرسل إلي عدة نسخ من مختصر لهذا الكتاب، فقرأته اليوم فألفيته مختصراً نافعاً جداً؛ ولذلك آثرنا أن نوزعه عليكم إن شاء الله.
ذكرنا أن أول هذه القواعد هي: توحيد المولى تبارك وتعالى، بمعنى: إفراده بالوحدانية في كل شيء، فلا يستطيع أحد أن يتصف بصفة على الوصف الكامل لله عز وجل من خلقه قط، فلو ذكرنا صفة الرحمة فإن الله تعالى موصوف بها، وإن كثيراً من عباده موصوف بها، لكن الله تعالى تفرد بهذه الصفة على الوجه الأكمل الذي ليس بعده كمال، فلا تستوي رحمة المخلوق ورحمة الخالق سبحانه وتعالى؛ لأن رحمة الخالق واسعة وعامة وشاملة لمن كان أهلاً لها؛ ولذلك يقول المولى تبارك وتعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156]، أما رحمة العباد فلا تسع كل شيء؛ ولذلك هناك مفارقة ومباينة بين صفة المخلوقين وصفة الخالق تبارك وتعالى.
فعند إطلاق صفة من الصفات على مخلوق من المخلوقات -وإن تشابهت وتماثلت- مع صفة لله عز وجل، فلا يعني هذا أنها شبيهة ومماثلة لها من جميع الوجوه ومن جميع الجوانب، بل هي شبيهة بها من حيث الاسم فقط، فإذا كانت المخلوقات نفسها تتماثل أو تتشابه في الاسم، وتختلف في الصورة، فإن الله تبارك وتعالى خلق العسل وخلق الخمر، وخلق التمر وخلق الجنان وخلق التفاح وخلق المطعومات، ولكنك إذا وازنت بين مطعومات الدنيا التي تطعمها أنت الآن ومطعومات الجنة فشتان ما بين هذا وذاك.
وإذا قلنا لك: هل تستطيع أن تكيف تين الجنة أو زيتونها؟ تقول: لا، أنا الذي أعرفه من هذا النعيم الأسماء فقط؛ وذلك لأن الله ذكر في كتابه أنه خلق في الجنة التين والزيتون، لكن هل هو كالتين والزيتون اللذين نأكلهما؟
صلى الله عليه وسلم لا، فالزيتون الذي نأكله نحن الآن ليس كالزيتون الذي خلقه الله في الجنة، فإذا كانت المخلوقات نفسها اتحدت في أحد الأوصاف ولكنها تباينت واختلفت في بقية الأوصاف، فهل يمكن أن تسوي صفات الخالق سبحانه وتعالى بصفات المخلوقين عند الإطلاق؟ لا يمكن أبداً، هناك مباينة ومفارقة.