هذه عشر قواعد قعدها أهل العلم قديماً وحديثاً، وقد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه، ولكن لا بد أن نعلم من أين أوتي أهل البدع والأهواء القاعدتين اللتين قام عليهما مذهب الخلف في تعطيل الصفات، وعندما أقول: (الخلف) هذا في مقابل السلف، فيكون عندنا مصطلحان: سلف وخلف، وكلمة السلف لها معنيان: المعنى الأول: تلك الحقبة الزمنية التي عاش فيها خير القرون؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) فإذا قصدت بيان معنى كلمة السلف من جهة الزمن فهو القرن الأول والثاني والثالث، وإذا قصدت ما هو أعظم من ذلك فإنما تقصد المنهج، فإن المنهج ليس له علاقة مطلقاً بالحقبة الزمنية، فعند إطلاق لفظ: (فلان سلفي)، معناه: إما أن يكون عاش في تلك الحقبة الزمنية؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلوهم) فأقول: هذا سلفي زمانياً، وإما أن يكون على سلف المنهج والتلقي والمشرب والاعتقاد، وهو من كان على مثل ما كان عليه السلف إلى يوم القيامة، فلو أن شخصاً اعتقاده في الله عز وجل ومنهجه وأصوله كلها هي التي كان عليها النبي عليه السلام وأصحابه الكرام والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين فإننا نقول عنه: سلفي المنهج.
ومن هنا نفهم أنه ليس كل من عاش في القرن الأول الهجري أو الثاني أو الثالث سلفي المنهج، فهناك الجهم بن صفوان والجعد بن درهم وغيرهم من أهل البدع وواصل بن عطاء المعتزلي، فهؤلاء نسميهم خلفاً؛ لأنهم خالفوا السلف في المنهج.
ولذلك القول الذي يقول: كل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف محل نظر؛ لأن هذا قد يحمل على الحقبة الزمنية، (كل خير في اتباع من سلف) أي: في اتباع القرون الأولى.
وكل شر في اتباع من أتى بعدهم في الحقبة الزمنية، فالأفضل أن نقول: الخير كل الخير في الاتباع، والشر كل الشر في الابتداع، سواء كان هذا الاتباع في القرون الأول أو في القرون التي بعدها، والابتداع سواء ظهر في القرن الأول أو في القرن الألف فهو ابتداع؛ لأن كله شر؛ بل إن الشر ظهر في القرون الخيرية على أيدي رءوس البدع، فلا يمكن أبداً نسبتهم إلى السلف ولا أنهم سلفيون، بل ولا سلف لهم في البدع التي أتوا بها وأفسدوا بها عقائد الأمة وضمائرها وعبادتها.
ففي هذه الحالة نبين أن لفظ السلف له معنيان: معنى زمني ومعنى منهجي، فلا أستطيع أن أقول مثلاً: أنا خلف لـ أبي بكر الصديق، لأن إطلاق لفظ الخلف يعني: الذم، لكن أقول: أنا تابع لـ أبي بكر، تابع لـ عمر، لـ عثمان، لـ علي، لأن نفس المنهج الذي استقاه أبو بكر هو الذي أنا عليه وإن كنت مقصراً، حيث إني لا أقدم منهجاً آخر غيره خاصة في باب صفات المولى تبارك وتعالى.