إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد: فسنبدأ في المجلد الثاني من كتاب أصول الاعتقاد للإمام أبي القاسم اللالكائي، وهذا المجلد في غاية الأهمية؛ لأنه يتعلق بأسماء الله تعالى وصفاته، وأنتم تعلمون أن الأمة بأسرها إلا من رحم الله تعالى من أهل السنة والجماعة قد خاضوا خوضاً عظيماً في صفات المولى تبارك وتعالى حتى شككوا عامة الناس.
فصفات المولى تبارك وتعالى بين مؤول صارف لها عن ظاهرها، بمعنى: أنه قد عطلها، فإذا صرف الاسم أو الصفة عن ظاهرها فمعنى ذلك: أنه لم يثبتها لله عز وجل كما أراد وكما أراد رسوله عليه الصلاة والسلام، ففي هذه الحالة عطل هذا الاسم أو هذه الصفة، وعلى النقيض من هذا نجد من أثبت لله تبارك وتعالى ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله من أسماء وصفات ولكنه قال: إن هذه الصفات الثابتة للمولى تبارك وتعالى تناسب الصفات التي أثبتها الله تعالى لخلقه، فصفة اليد وصفه الوجه وصفة الساق وغيرها من الصفات ثابتة لله تبارك وتعالى، ولكنهم قالوا: إن يد الله كأيدينا، ووجه الله كوجوهنا، وساق الله كساقنا، فمثلوا الخالق بالمخلوق، ولم يجعلوا فارقاً بين الخالق والمخلوق.
وأهل السنة والجماعة هم وسط بين المعطلة وبين الممثلة المشبهة، فقالوا: نثبت لله تبارك وتعالى ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله على النحو الذي أراده الله عز وجل، من غير تعطيل ولا تمثيل، فلا يعطلون الصفة ولا يصرفونها عن ظاهرها، ولا يشبهون هذه الصفات بصفات المخلوقين، فهم وسط بين الاثنين، أثبتوا لله الصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله، ولكن على صورة تليق به تبارك وتعالى، وما وقع أهل البدع والأهواء فيما وقعوا فيه في صفات المولى تبارك وتعالى إلا لأنهم غفلوا عن أشياء وصرفوا أشياء عن ظاهرها، ولذلك كان من المهم جداً أن نتعرف على قواعد وأصول يجب على دارس العقيدة أن يتعلمها؛ لأنه من لم يزل في قاعدة قد يزل في غيرها، لكن إذا استجمعت لديه هذه القواعد وهذه الأصول فإنه لا يزل بإذن الله أبداً.
فينبغي علينا الآن أن نكتب هذه القواعد وأن نسمعها، ولا بد لنا من شرحها والعروج عليها، ولكننا سنكتبها أولاً، سأملي عليكم هذه القواعد ثم بعد ذلك نتعرض لها بالشرح بإذن الله تعالى.