إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
توقفنا في الدرس الماضي عند بداية ظهور البدع، وإذا كان للبدع بداية ظهرت فيها فإن الأصل كان على السلامة والأمانة والصدق، وهذا يعني أن الحقبة الزمنية الأولى من عمر الرسالة لم يكن فيها هذه البدع، خاصة زمن حياة النبي عليه الصلاة والسلام، وإن كان بعض أصحابه قد مال إلى مخالفة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن لا أقول: هم الأصحاب، وإنما هم أصحاب الأهواء والضلال والنفاق، ولذلك: (لما دخل رجل على النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقسم الغنائم فقال: اعدل يا محمد! فإن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله.
فقال عليه الصلاة والسلام: ويحك، من يعدل إذا لم أعدل؟ فلما ولى الرجل مدبراً قال النبي عليه الصلاة والسلام: سيخرج من ضئضئي هذا من تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).
يعني: أن هذا الرجل كان هو رأس الخروج على النبي عليه الصلاة والسلام فلما قال هذه المقولة، وحكم عليه النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الحكم، كان هذا الرجل هو أصل الخروج على النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك الخوارج ينتسبون إليه، وكلهم يقولون بمقالته.
وأناس آخرون هم من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ومن المحبين المخلصين له، لكن دخل عليهم الشيطان من باب المتشابهات في القرآن الكريم، وقد سمعهم النبي عليه الصلاة والسلام يحتجون على بعضهم البعض بهذه الآيات المتشابهات، فخرج عليهم النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (أبهذا أمرتم؟ ألهذا وكلتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض، وغضب غضباً شديداً، كأنما فقئ في وجهه حب الرمان).
فانطلق الصحابة راشدين ولم يعودوا لمثلها قط، وكانت هذه الحادثة في الاحتجاج بالقدر، لكن ما إن تظهر نار الفتنة في زمانه عليه الصلاة والسلام إلا وسرعان ما تنطفئ وتخبو تماماً، وعليه فلم تكن للبدع ظهور في زمانه عليه الصلاة والسلام.
وفي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ظهرت بدعة من يفرق بين الصلاة والزكاة، وهذه أعظم بدعة، وأعظم فتنة تعرض لها الإسلام بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام، وقد تصدى لها رجل واحد من الأمة وخالفته الأمة بأسرها، وقد نور الله تعالى بصيرته ليدل الأمة على الحق والصواب، هذا الرجل هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، كيف لا وقد قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (لو وزن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر).
إنه العلم النوراني الذي قذفه الله عز وجل في قلب وفي صدر وعقل أبي بكر، الذي ميز به أن هذا الذي فعله المرتدون أمر يخالف دين الله عز وجل.
وهذه الشبهة دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى راجع في ذلك أبا بكر، فلما وجد من إصرار أبي بكر على مقاتلة هؤلاء وقتلهم.
قال: فعلمت أنه الحق.
أي: لإصرار أبي بكر على ذلك، وما كان ليصر إلا على أمر هو دين الله عز وجل، فتبعه على ذلك وتبعته الأمة، وحاربوا هؤلاء الذين فرقوا بين الصلاة وبين الزكاة.
وفي عهد عمر بن الخطاب لم يكن هناك فتن قط؛ لأن عمر شديد الشكيمة، والكل يهابه، بينما أبو بكر كان يتصف بالحلم، لكنه كان عند المخالفة أقوى من عمر كما كان ذلك في حروب الردة، وعمر كان بطبيعته وسجيته شديداً، والعرب يعرفونه قبل الإسلام وبعده، فكانوا يهابونه جداً، وما يجرؤ واحد منهم أن يتكلم بما عنده من نفاق أو زندقة أو إلحاد إلا في جحره، وإلا بين امرأته وأولاده وخاصته، ومع هذا هو يخاف أن يتسرب الخبر إلى عمر.
ولما تكلم صبيغ بن عسل بما عنده من متشابه القرآن علم بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فدعا هذا الرجل إلى بيته، وكان قد أحضر له العصا والجريد والنعال ليضربه، فقال: يا صبيغ! بلغنا أنك تتكلم في متشابه القرآن، وهذا أمر لم يكن عليه أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، أفهذا خير سبقت إليه -أي: سبقت النبي وأصحابه إليه- أم هو أمر جديد من عندك؟ فإن كان جديداً ليس عليه سلف الأمة فلابد وأن تنتهي، وإن كان هذا أمراً قد فتح به عليك، وأغلق دون غيرك، فهذا شر الابتداع في دين الله، فتناول الجريد وظل يضربه على رأسه حتى سال الدم على وجهه، فقال صبيغ: يا أمير المؤمنين! قد ذهب الذي كنت أجد في رأ