Q قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، ما معنى هذا الحديث؟
صلى الله عليه وسلم ليس معنى هذا الحديث كما يتبادر إلى بعض الأذهان أنه ليس هناك شيء اسمه خطأ ولا نسيان ولا إكراه، بل إن الخطأ واقع، والنسيان واقع، والإكراه واقع، ولكن لو وقع منك فعل خطأ أو معصية على سبيل الخطأ أو على سبيل النسيان أو على سبيل الإكراه، فإن الله لا يحاسبك عليها.
ولنضرب أمثلة على ذلك: الخطأ أو النسيان مثلاً في الصلاة، كشخص صلى الظهر فقام إلى الركعة الخامسة، فلو قام متعمداً لبطلت جميع صلاته من أولها إلى آخرها؛ لأنه زاد عن النص بغير نص وخالف الهدي فيحاسب على ذلك، لكن إذا قام إلى الخامسة نسياناً فلا تبطل صلاته، وقد وقع منه الخطأ والله لا يحاسبه عليه؛ ولذلك يجبر خطؤه بسجدتي السهو.
والإكراه واقع، ولكن الله تعالى لا يحاسبك عليه، فلو أتى السلطان مثلاً فهجم على بيتك بالليل، وانتهك حرمتك، وكشف سترك وعرضك، فوجد أن امرأتك جميلة مثلاً، فقال لك: طلق هذه المرأة، فقلت: لا، لن أطلقها.
هذه امرأتي وأم أولادي، وأنا أحبها وأحتفظ بها، فقال لك: تطلقها وإلا سنعمل فيك كذا وكذا؟ وبدأ فعلاً في تنفيذ ما هدد به من ضرب وركل وكهربة وغير ذلك من أساليب التعذيب، فبلغ بك التعذيب حداً لا تحتمله؛ فخشيت على نفسك من الهلاك، فقلت مكرهاً: امرأتي طالق؛ ليتزوجها هو، فهل هذا الطلاق يقع صراحة؟
صلى الله عليه وسلم لا يقع.
فقوله عليه السلام: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، المعنى: رفع إثم ذلك عن أمته، فالمرفوع هو الإثم وليس الفعل؛ لأن الفعل واقع منك، والخطأ واقع، والنبي عليه السلام نفسه نسي، كما ثبت في الصحيح: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في بيت عائشة فسمع رجلاً يقرأ في المسجد فقال: رحم الله فلاناً؛ أذكرني آية كنت قد أنسيتها)، فالنسيان واقع حتى من النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن نسيان النبي عليه الصلاة والسلام لا تعلق له بالوحي، فإنه لم ينس شيئاً من الوحي إلا بعد أن بلغه لأصحابه، فكان محفوظاً لدى الأصحاب، فلا يضر بعد ذلك نسيان النبي عليه السلام له أو تذكره؛ لأنه قد بلغ أولاً، كما أنه صلى العصر وفي رواية الظهر في حديث (ذي اليدين) ركعتين، فهمهم القوم، فقام رجل طويل اليدين، فرفع يديه وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: (يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: ما قصرت وما نسيت) يعني: وما أظن أني نسيت.
(فقال: إنك صليت بنا ركعتين، فقام النبي عليه السلام وكبر وصلى ركعتين ثم سجد للسهو)، وهذا يدل على النسيان؛ لأنه ما كان للنبي عليه الصلاة والسلام أن يصلي الظهر ركعتين متعمداً، فالنسيان واقع حتى من الأنبياء، وهذا أمر لا يخل بالشرع؛ لأن نسيان الأنبياء بعد البلاغ لا قبل البلاغ، ومادام قد بلغ فإن البلاغ محفوظ لدى الأصحاب بدليل أنهم أنفسهم ردوا عليه عليه الصلاة والسلام.
فالخطأ واقع والنسيان واقع والإكراه موجود، وما أكثره خاصة في هذا الزمان، ولكن إثم الأفعال الناجمة عن الخطأ والنسيان والاستكراه لا يأثم عليها المخطئ ولا الناسي ولا المكره، إنما يأثم بها المكرِه لا المكرَه، والعلماء لهم كلام فيمن أكره على العصية، فيجمعون على استحباب أن يهلك المرء دون الوقوع في المعصية، وإذا لم يحتمل الإكراه فإنه لا بأس عليه في اقتراف المعصية، والرأي الأول أحب وأولى.