فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال في قول الله عز وجل: {قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر:28] قال: غير مخلوق؛ لأن العوج صفة نقص، والنقص يليق بالمخلوق ولا يليق بالخالق وأسمائه وصفاته، فالله تبارك وتعالى بين أن هذا القرآن أولاً: عربي، ثانياً: غير ذي عوج، أي: لا اعوجاج فيه ولا التواء ولا غموض.
فقال ابن عباس رضي الله عنهما: {غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر:28] أي: غير مخلوق؛ لأن العوج للمخلوق أليق، وهذا الكلام -وهو القرآن العربي- غير مخلوق، فلابد أن يكون غير ذي عوج.
وهكذا في كل صفات المولى تبارك وتعالى وأسمائه، فإن الذي يقول: إن القرآن وإن كان كلام الله إلا أنه مخلوق -يعني حادث- فلابد وأن ينزل ذلك على بقية الأسماء والصفات، لابد أن يقول: إن رحمة الله حادثة، وإن سمع الله حادث، وإن بصر الله حادث، وإن رأفة الله حادثة، وإن حلم الله حادث ينزل ذلك على جميع الصفات، وإلا فلم اختار صفة الكلام بالذات وقال: إنها حادثة، وإنها مخلوقة؟ فلابد أن ينطبق هذا المنهج المعوج على جميع صفات المولى تبارك وتعالى، وإلا فإنا نسألهم: لماذا فرقتم بين اسم واسم، وبين صفة وصفة، والمنهج واحد في كتاب الله وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام؟ ولذلك هم ذهبوا -بزعمهم- إلى تنزيه المولى تبارك وتعالى، وقالوا: الإنسان مخلوق يتكلم، فإذا قلنا: إن الله تعالى الخالق يتكلم فلابد أن يكون هذا الكلام كذلك مخلوقاً؛ ظناً منهم أن هذا نفي للنقص عن الله عز وجل، ولكن هذا الكلام كلام فاسد وباطل؛ لأنهم أرادوا التنزيه فوقعوا في التشبيه، وإلا فقول الجهمية مثلاً والخوارج: إن الله تبارك وتعالى لا يتكلم؛ لأنه لو تكلم للزم أن يشارك الإنسان -وهو أحد خلقه- في صفة الكلام، فقالوا: لا، الله تعالى لا يتكلم، كما أنهم قالوا: لا يتكلم بحرف ولا صوت؛ ظناً منهم أن هذا تنزيه للمولى تبارك وتعالى؛ فوقعوا كذلك في تشبيه الله تعالى بالجمادات؛ لأن الجمادات غالباً لا تتكلم، وإن كانت تتكلم أحياناً، وهذا في المعجزات التي جرت على يد الأنبياء والرسل.
فلا شك أن الله تبارك وتعالى يتكلم، وأن المخلوق يتكلم، لكن كلام المخلوق ليس ككلام الخالق؛ لأن ذات المخلوق تختلف وتتباين عن ذات الخالق تبارك وتعالى، فما الذي يمنع المرء أن يسلم أن الله تبارك وتعالى يتكلم بحرف وصوت كيف يشاء وكما يشاء في أي وقت شاء؟ وكلامه معجز لا يستطيع أحد من البشر أن يتكلم ككلام المولى تبارك وتعالى.
قال ابن عباس: {قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر:28] قال: غير مخلوق.