الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
خاتمة هذا المجلد الذي نحن بصدد دراسته يتكلم عن مسألة ربما نظر البعض إليها على أنها مسألة هينة أو يسيرة، أو أن الكلام فيها قد كثر، ولكنا نقول: إن الكلام مهما كثر في ذات الله تبارك وتعالى أو في أسمائه وصفاته فليس بكثير، وكما قال عثمان رضي الله عنه: المؤمن لا يشبع من كلام الله عز وجل.
وهذا البحث له تعلق عظيم جداً بكتاب المولى تبارك وتعالى، وخص المؤلف بالذكر صفة الكلام -أي: كلام الله عز وجل- وأنه غير مخلوق، ثم ساق دلائل ذلك من كتاب الله تبارك وتعالى تصريحاً أو استنباطاً، وساق دلائل ذلك من حديث النبي عليه الصلاة والسلام، ومن أقوال وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وعمل السلف جميعاً على ذلك.
والقرون الخيرية من كان منهم على المنهج والجادة أنكر غاية النكارة أن يكون كلام الله تبارك وتعالى مخلوقاً، وسرد المؤلف ما يزيد عن ثلاثمائة اسم في هذا الجزء كلهم يقولون: إن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، فمن قال بغير ذلك فهو كافر.
وقد بينا من قبل خطورة القول بخلق القرآن وأن هذا من أعظم الباطل، بل هو من ظلم العبيد لله عز وجل، أن ينسبوا صفة من صفاته للخلق دون أن يعتقدوا ويؤمنوا أنها صفة لازمة لذاته تبارك وتعالى، ولكن على أية حال في سماع كلام السلف بنصه وفصله فوائد عظيمة جداً؛ ولذلك نحن إذا سمعنا لفظ النبي عليه الصلاة والسلام بخلاف أن نسمع معنى كلامه؛ لأن كلام النبوة له نور عظيم؛ فكذلك كلام سلفنا رضي الله عنهم؛ لأنهم ما خرجوا عن حد الكتاب ولا السنة في كلامهم، إلا ما شذ من أصحاب القرون الأولى وخالف السلف في معتقدهم ومسلكهم ومنهجهم فقال بغير قولهم، فإننا نجد على كلامه ظلمة كسواد الليل.
ولذلك يحسن بنا أن نسرد سرداً سريعاً على شكل مقتطفات؛ لننظر إلى ذلك النور الذي شع من أفواههم وعلى ألسنتهم.