كلام الإمام الطحاوي عن الاسم والمسمى وبيانه

شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله تعالى توسع جداً في هذه القضية، أعني: مسألة: هل الاسم هو المسمى أم لا؟ والمسألة فيها أقوال كثيرة، وقد خالف فيها بعض أهل السنة، وهذا كلام حادث، وقد أنكروه غاية النكارة ولم يجيبوا فيه بقول، ولذلك قال ابن أبي العز الحنفي في شرح قول الطحاوي: مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة، ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفاته، وكما كان بصفاته أزلياً كذلك لا يزال عليها أبدياً.

وهذا كلام جميل وقوي، وقد شرحه ابن أبي العز شرحاً جميلاً، لكن فيه شيء من الفلسفة على أية حال، حتى وصل إلى قوله: وكذلك قولهم: هل الاسم عين المسمى أو غيره؟ أي: هل الاسم هو عين المسمى وذات المسمى أو غيره؟ قال: ولطالما غلط كثير من الناس في ذلك، وجهلوا الصواب فيه، قال: فالاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى، أي: أنه عند إطلاق الاسم أحياناً يراد به المسمى، وأحياناً يراد به اللفظ الدال على المسمى لا عين المسمى، فإذا قلت: قال الله كذا، أو: سمع الله لمن حمده، فالمراد به المسمى نفسه؛ لأنه لا يتصور انصراف الذهن إلى غير الذات.

وإذا قلت: الله اسم عربي، والرحمن اسم عربي، والرحيم من أسماء الله تعالى، فالمراد هنا هو الاسم لا المسمى، فإذا قلت: الرحمن لفظ عربي فإنه لابد وأن ينصرف الذهن إلى الكلام عن الاسم لا عن المسمى، فهو يريد أن يقول لك: قد يطلق أهل السنة الاسم أحياناً ويريدون الكلام عن المسمى، وأحياناً يطلقون الاسم ولا يريدون المسمى، وإنما يريدون الكلام عن الاسم نفسه.

وعند إطلاق أهل السنة للاسم وإرادتهم له دون المسمى لا يقولون بالمغايرة بين الاسم وبين الذات، حتى وإن أرادوا أن يتكلموا عن الاسم؛ لأن المباينة تستلزم أن يكون الله ولا اسم له حتى خلق لنفسه أسماء، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم، فهل يتصور أن آدم هو الذي سمى الله عز وجل -باعتبار أن آدم أول البشر- أو أن الملائكة -وهم خلق من خلق الله- هم الذين سموا الله تبارك وتعالى؟! إن هذا من أعظم الضلال والإلحاد في أسماء الله تعالى.

والإمام الطحاوي رحمه الله قد أشار بقوله: ما زال بصفاته قديماً، إلى اسم من أسماء الله عز وجل ألا وهو: الأول، ولفظ القديم لا يليق بالله عز وجل، وليس هو من أسمائه ولا من صفاته؛ أن لفظ القديم يلزم منه أن هناك من هو أقدم منه، ولا أول قبل الله عز وجل، فالله تعالى هو الأول والآخر والظاهر والباطن.

فيستحب أن يقال: إن الله هو الأول، ولا يقال: هو القديم؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية، بمعنى: أننا لا نسمي الله تبارك وتعالى إلا بما سمى به نفسه، ولا نصفه إلا بما وصف به نفسه، فكوننا نقول: إن الله هو القديم، أو أنه الستار، أو أنه المنعم فإننا نقصد بذلك: أن هذه أسماء لله تبارك وتعالى، وليس لدينا نص يثبت أن هذه أسماء لله عز وجل، ولا شك أننا إن سميناه بذلك فإننا نكون قد سميناه بما لم يسم به نفسه.

وقوله أيضاً: فإن الله تعالى ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه؛ قصد بذلك الرد على المعتزلة والجهمية ومن وافقهم من الشيعة، فإنهم قالوا: إن الله تعالى صار قادراً على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادراً عليهما! فصار متكلماً بعد أن كان عاجزاً، وصار خالقاً بعد أن خلق، وصار وهاباً بعد أن وهب، وغير ذلك في بقية أسمائه وصفاته تبارك وتعالى، وأنه انقلب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي، أي: أن ربنا كان عاجزاً عن معرفة الأشياء على حقيقتها، وبعد أن وقعت عرفها.

وكان ليس له قدرة، ثم صارت له قدرة! وكان ممتنعاً عن الكلام، ثم صار قادراً على الكلام! إن الواحد منا يخاف ويخشى أن يقول لمخلوق صاحب وجاهة وسلطة: إنك عاجز عن الكلام؛ لأن لك ساعة أو ساعتين لا تتكلم فيها بكلمة واحدة! إننا نقول هذا حتى تعلموا أن الكلام في ذات الله تبارك وتعالى صار أسرع من الكلام فيما يجري بين الناس.

ثم قال: فإنهم قالوا -أي: المعتزلة-: إنه تعالى صار قادراً على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادراً عليه؛ لكونه صار الفعل والكلام ممكناً بعد أن كان ممتنعاً، وأنه انقلب من الامتناع الذاتي، أي: أنه كان بنفسه عاجزاً عن الكلام، ثم صار بنفسه قادراً على الكلام، فإذا كان العجز الذاتي واجباً له فمن أين أتت له القدرة؟! والمخلوق إذا كان عاجزاً بذاته، ثم صار قادراً بعد ذلك، فمن وهبه القدرة؟ إنه الله عز وجل، فهل يتصور أن الله تعالى الذي يرزق ويهب القدرة وغيرها وهو بذاته عاجز؟ أعوذ بالله! إن هذا كفر بالله.

قال: وعلى ابن كلاب والأشعري، أي: أن المؤلف يرد على ابن كلاب صاحب الفرقة الكلابية، وعلى الأشعري ومن وافقهما، فإنهم قالوا: إن الفعل صار ممكناً له بعد أن كان ممتنعاً منه.

وأما كلام الله تبارك وتعالى فلا يدخل عندهم تحت مشيئته تبارك وتعالى، وهو عند أهل السنة والجماعة صفة م

طور بواسطة نورين ميديا © 2015