قال عليه الصلاة والسلام: (الولد مبخلة مجبنة مجهلة).
ومعنى مبخلة يعني: أنك تقول مثلاً عند داعي الصدقة: أولادي أولى، فأنا لن أتصدق لأني أريد أن أعمل مستقبل لأولادي، فتبقى معك الأموال، ثم تقصر فيما فرضه الله عز وجل عليك، وإذا نصحت بالذهاب إلى الحج مع الناس وتأدية فرض الله عز وجل قلت: لا، أريد أن أربي الولد والبنت.
وهذه الأشياء لن تنتهي، فلو أنه زوج العيال كلهم وسترهم بستر الله عز وجل فسيطمع بأن يكون لهم بيت، وإذا بنى لهم بيتاً ثم وقعت المشكلات فيما بينهم يقول: سأبني لكل واحد بيتاً.
فالقضية هذه لن تنتهي وليس لها نهاية.
وليس فرضاً عليك أنك تزوج أولادك، وتبني لهم البيوت قبل أن تؤدي فرض الله عز وجل الذي فرضه عليك فرض عين.
قال الحسن البصري: جاء أعرابي إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين! علمني الدين.
فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله -وهذا يعرف بالسمع لا بالعقل- وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان.
قال: وعليك بالعلانية -أي: في كل ما يرضي الله عز وجل- وإياك والسر -أي: وإياك وما يستحيا منه- كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (لما وجد رجلاً من الأنصار يعظ أخاه في الحياء).
يعني: يعاتب أخاه في الحياء ويقول له: إن حياءك شديد ويكاد أن يهلكك.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (دعه فإن الحياء من الإيمان).
وفي رواية: (فإن الحياء لا يأتي إلا بخير).
وفي رواية: (فإن الحياء كله خير).
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
وهذا الحديث له معنيان عند أهل العلم: أحدهما: إذا لم تستح من فعلك بين يدي الله عز وجل فاصنعه، فإنه من طاعة الله وفي رضا الله.
يعني: إذا لم يكن فعلك هذا مما تستحي منه بين يدي الله إذا حاسبك عليه فافعله الآن؛ لأنه في مرضاته وفي طاعته.
وهذا المعنى هو الذي قال فيه عمر: وعليك بالعلانية وإياك بالسر.
أي: وإياك أن تعمل عملاً في السر يغضب الله عز وجل.
وعليك بالعلانية، أي: وعليك بما لا يستحيا منه بين يدي الله عز وجل في الآخرة، ولا بين الناس في الدنيا، وإن لقيت الله فقل: أمرني بهذا عمر.
والمعنى الثاني لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
يعني: إذا كان الشخص ليس عنده حياء قط فليصنع ما شاء بعد ذلك، فإنه إذا نزع من المرء الحياء لم يعاتب ولم يلم على فعله القبيح الذي هو فيه؛ لأن الناس اعتادوا منه سوء الخلق، وسيحاسبه الله عليه يوم القيامة.
معنى كون الولد (مجهلة).
أي: أنه هو الذي يسبب الجهل لأبيه، فإذا خرج والده في طلب العلم منعه الولد لحاجته ومتطلباته، وغير ذلك مما يخص الولد.
يعني: أن الولد يشغل أباه عن طلبه للعلم، فيصير جاهلاً.
وقد تكون الزوجة أجهل من ولدها، والولد قد يحتمل، وأما الزوجة فلا تحتمل، فلا يخرج الزوج لدرس العلم إلا خفية من الزوجة، فيقول لها: سأذهب لآتي بكذا وكذا وكذا فتقول له: اذهب وفقك الله، ولو اشترى كتاباً لانتقدته أمه بأنهم ليس معهم مصاريف الأولاد وغير ذلك، حتى أنه يضطر في النهاية إلى شراء الكتاب بغير علمها.
فطالب العلم يحتاج إلى صبر عجيب جداً، صبر على شراء الكتاب، وصبر في المحافظة عليها، وصبر في الطلب، وصبر على الزوجة، وعلى الأولاد، وصبر من كل ناحية، وإن لم يكن صاحب حكمة وحنكة وفطنة وحسن تصرف في المواقف المتكررة كل ساعة وكل دقيقة فسيضيع مع أولاده ومع امرأته، فلا بد أن يجعل طالب العلم لقلبه ولوقته ولعلمه وقتاً مع كتاب الله ومع سنة رسوله، وحضور مجالس العلم وإلا سيضيع.
والشيخ ابن عثيمين وغيره يشرحون قوله صلى الله عليه وسلم: (الولد مجبنة) فيما يتعلق بالجهاد.
أي: إذا نادى منادي الجهاد يقولون له: انتظر إلى أين ستذهب؟ إن لديك أولاداً صغاراً، فمن سيربيهم؟ مع أن هؤلاء الأولاد هم الذين سيدمرونه ويضيعونه، فهو لن يطلب العلم بسبب العيال، ولن يجاهد حتى يجاهد في العيال، فالولد هو سبب كل بلية، والذكي هو من يعطي لكل ذي حظ حظه، ثم يدع الأمر بعد ذلك لله عز وجل.
وكم من شخص حرص كل الحرص على تربية أبنائه، ثم ما رباهم في النهاية؛ لأنه لم يتق الله تبارك وتعالى فيما تعين عليه هو أولاً، بل جعل كل همه في أولاده، وليست هذه دعوة لترك الأولاد والتفريط في حقهم، أبداً، بل هذا مما قد تعين عليك، ولكنه تعين بقدر، فينبغي ألا تزيد عليه ولا أن تنقص منه.
والأصل في ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول).
وفي رواية: (أن يضيع من يقوت).
فعليه أن يعولهم ويطعمهم ويسقيهم ويعلمهم ويربيهم، ويعلمهم الإيمان بالله وبالملائكة وبالكتب وبالرسل، وغير ذلك، فكل هذا داخل في عيالة الأولاد، وفي ا