القاعدة الأولى: التوسط في الألفاظ المجملة التي لم يرد إثباتها ولا نفيها.
أي: إذا كان اللفظ مجملاً أتوقف فيه؛ لأنني لو نظرت في هذا اللفظ لا أجده لا في الكتاب ولا في السنة، لأنه قد استحدث بعد ذلك، كلفظ الجهة والحد، أما الحد فلفظ منكر في غاية النكارة.
يقولون: إن الله تعالى إذا أثبتنا وجوده في السماء فإنما أثبتنا وجود الجهة، وهذا أمر يحتمل مدحاً ويحتمل ذماً؛ ويحتمل كمالاً ويحتمل نقصاً.
فإذا قال القائل: إن الله تعالى في جهة.
قلنا له: ماذا تقصد بالجهة؟ فإذا قال: أقصد جهة العلو والفوقية والاستواء قلنا: هذا كلام حسن.
وإذا قال: أقصد بالجهة أن السماء تحوطه.
وأنه قد استقر على العرش والعرش يحمله.
فنقول: إن هذا كلام سخيف بارد، وكلام ليس على بطلانه رد أفضل من السكوت عنه، وإن كان الأولى ترك هذه المصطلحات بخيرها وشرها؛ لأنها لم ترد على لسان السلف، وهذه الكلمات حمالة؛ يستخدمها المبتدعون لإثبات بدعتهم، فيدورون بها كما يدور الحمار برحاه، يثبتون فساد معتقدهم.
وأما أهل السنة والجماعة إنما دخلوا في هذا الباب رغماً عنهم للرد على المبتدعة، فنقل على ألسنتهم بعض هذه المصطلحات.
كما قالوا: إن الله تعالى في السماء بذاته، فكلمة بذاته اضطر السلف إليها وإلى ذكرها، وكما اضطروا كذلك إلى أن يقولوا: (القرآن كلام الله غير مخلوق)، فلفظ (غير مخلوق) ليس على لسان السلف، إلا ما ورد على لسان البعض منهم رداً على المبتدعة، وخاصة فيما يتعلق في صفات الله عز وجل، فهو أمر في غاية الحساسية.
قال: [فإذا أتاك لفظ مجمل فتوقف فيه، إذا لم يكن قد ورد إثباته أو نفيه في الكتاب والسنة، أما معنى هذه الألفاظ المجملة فيستفصل عنه].
أي: تقول له: ماذا تقصد بهذا اللفظ؟ إذا قال: أقصد بالجهة العلو والفوقية لله عز وجل والاستواء على العرش، فهذا كلام جميل، لكن بدلاً من أن تقول: الجهة، قل: استوى على العرش، أو الله في السماء؛ لأن هذه هي الألفاظ التي وردت في الشرع، أما الجهة فلم يأت بهذا المصطلح النبي عليه الصلاة والسلام، ولا أبو بكر الصديق، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، ولا الشافعي، ولا مالك، ولا أبو حنيفة، ولا أحمد بن حنبل، فينبغي ألا تتكلم بكلمة إلا إذا تكلم بها سلفك.