قال: [ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج مات ميتة جاهلية.
ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه].
وتأمل هذا الكلام للإمام أحمد بن حنبل وهو الذي تعرض لفتنة كانت أعظم فتنة بعد فتنة المرتدين في عهد أبي بكر، إذ لم يكن الضرر له أو لبعض الناس، بل كانت فتنة ماجت بها البلاد والعباد، وتوقف عليها استقامة عقيدة الأمة أو فسادها وانحرافها، ومع هذا فالذي يقول هذا الكلام هو الذي تعرض لهذه الفتنة هذا التعرض العظيم، فهذا الخليفة المعتصم أركب أحمد حماراً بالمخلوف.
أي: كان وجه أحمد في دبر الحمار، ومشى به في شوارع بغداد كلها، لكن ثبت الله تبارك وتعالى هذا الإمام العظيم، وكان يقول: أنا من أنا؟ من عرفني فقد عرفني، ومن لا يعرفني فأنا أحمد بن حنبل، القرآن كلام الله غير مخلوق، فانظر إلى أين وصل به الإصرار على الحق مع الإهانة والتعذيب؟ لأنه ليس شخصاً من عامة الناس، بل هو إمام يشار إليه بالبنان، وقوله دين إلى يوم القيامة.
قال: [ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق]، ولا بد أن تفرق بين حبك للإسلام وغيرتك عليه وعلى ما نزل بالمسلمين، وبين الخروج على السلطان، إذ إن حبك للسنة وشفقتك على ما وصلت إليه الأمة لا يحل لك أن تخرج، ونحن أيضاً نعرف نتيجة الخروج وما جلب للأمة من متاعب ومشكلات.