قال: [(بسم الله الرحمن الرحيم.
القرآن كلام الله غير مخلوق].
لماذا بدأ سفيان بهذه القضية؟ أولاً: لأنها قضية تتعلق بذات الرب تبارك وتعالى، وأعظم العلم هو علم الاعتقاد خاصة اعتقادك في الله عز وجل؛ لأن أعظم ما يمكن أن يتعلمه المرء، وأوجب الواجبات التي أوجبها الله تبارك وتعالى على المرء: أن يحسن اعتقاده في الله عز وجل، ولذلك يقول أهل العلم: إن أعظم العلوم وأشرفها علم العقيدة؛ لتعلقها بذات الإله، وثاني العلوم علوم القرآن؛ لتعلقه بصفة من صفات الله عز وجل، ثم علم السنة لتعلقه بكلام النبي عليه الصلاة والسلام.
إذاً: أول ما يجب عليك أن تطلبه هو العقيدة الصحيحة التي كان عليها سلف هذه الأمة وعلماؤها.
لذا قال: [اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم القرآن كلام غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، من قال بغير هذا فهو كفر].
هذا أولاً.
ثانياً: أن هذه الفتنة -أي: فتنة القول بخلق القرآن من عدمه- نشأت في أرض الفتن العراق، وكل عالم ينزل فيها لابد وأن يبتلى وأن يختبر بها، وأنتم تعلمون أن أهل العراق هم في الغالب أهل فتن، والنفاق إليهم أسرع من غيرهم، وقلة احترامهم لأهل العلم مشهورة عنهم، ولا أدل على ذلك من أنهم شايعوا علياً والحسن والحسين، وكانوا أول الناس نكثاً للعهد معهم، فهم أهل غدر ونفاق إلا من رحم الله عز وجل.
ولذلك لما رأى سفيان الثوري أن هذه المسألة في غاية الأهمية لتعلقها بذات الإله، وهي من جهة ثانية هي التي تدور على ألسنة العامة والخاصة في بلاده، أراد أن يعالجها ابتداءً.
وكلام الله تبارك وتعالى صفة من صفاته، والله تبارك وتعالى يتصف بصفات الذات وصفات الفعل، والكلام من صفات الفعل، فالله تبارك وتعالى يتكلم بما شاء بأي كلام يريده متى شاء، ويسكت عنه متى شاء؛ لأنه من صفات فعله؛ فإن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، والله تبارك وتعالى متكلم منذ الأزل وإلى الأبد، لا ابتداء لكلامه ولا نهاية له، كما أن الله تبارك وتعالى هو الأول وهو الآخر، فكذلك كلامه يحمل هذه الصفتين؛ فإنه لا أولية له ولا يفنى هذا الكلام، فإن الله تبارك وتعالى متكلم دائماً وأبداً وأزلاً، فلم يكن ساكتاً ثم تكلم، وإذا تكلم لا يفنى كلامه ولا يبيد سبحانه وتعالى، ولذلك قال: (غير مخلوق) هذه الصفة بل وجميع الصفات غير مخلوقة.