قال: [عن الأوزاعي قال: إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل ومنعهم العمل].
قال: [قال يونس بن عبد الأعلى: قلت للشافعي: تدري يا أبا عبد الله ما كان يقول فيه صاحبنا؟ أي: يونس بن سعد، فقد كان يقول: لو رأيته يمشي على الماء لا تثق ولا تعبأ به ولا تكلمه.
قال الشافعي: فإنه والله قد قصر].
لذا فقد يرى المسلم أحوالاً تظهر على أيدي أهل الأهواء في الظاهر أنها كرامات، فاحذرها، فلو رأيت صاحب الهوى يطير في الهواء، أو يمشي على الماء، فلا تركن إليه حتى تنظر إلى عمله، فإن كان موافقاً لكتاب الله ولسنة رسوله، فاعلم أن هذه كرامة من الله تعالى، وإن كان غير ذلك فاعلم أنه كذب من الشيطان.
وهذا الكلام عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد قرره في كتاب الفتاوى، فلا تحكمن على الرجل بصلاح أو فساد حتى تنظر إلى عقيدته وعمله، فإن كانت مستقيمة، وظهر منه شيء خارق للعادة فاعلم أن هذه كرامة، وإن كان غير ذلك فاعلم أنه استدراج من الشيطان.
قال: [قال الربيع: سمعت الشافعي يقول، وقد ناظره رجل من أهل العراق، فخرج إلى شيء من الكلام، هذا من الكلام، دعه].
أي: هذا من الرأي فدعه؛ لأنه لا يتقنه.
قال: [قال الشافعي: لأن يبتلي الله المرء بكل ذنب نهى الله عنه عدا الشرك خير له من الكلام].
وخير له من الهوى والضلال والانحراف.
قال: [قال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: تعلم يا أبا موسى! -لأن العلم نجاة- لقد اطلعت من أصحاب الكلام على شيء ما ظننت أن مسلماً يقول بذلك].
يعني: أن أصحاب الأهواء قالوا كلاماً ما كان الشافعي يتصور أن واحداً من الأمة يقول هذا الكلام، ولا ينجي من هذا الضلال إلا طلبك للعلم، ولذا نصح الشافعي أبا موسى أن يتعلم.
قال: [كان الشافعي ينهى النهي الشديد عن الكلام في الأهواء ويقول أحدهم إذا خالفه صاحبه: كفرت.
والعلم فيه: إنما يقال: أخطأت].
لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إن أهل السنة مع أهل البدع أرحم من أهل البدع بعضهم ببعض.
لأنك تأتي وتناظر وتجادل واحداً من أهل البدع، وتقول له: أنت أخطأت، لكنهم عندما يتناقشون مع بعض يقول أحدهم للآخر: أنت كفرت، فيرمون بعضهم بالكفر، مع أن أهل السنة يتوقفون في ذلك أشد التوقف.
قال: [قال الشافعي: ما تردى أحد بالكلام فأفلح].
قال: [قال الربيع: رأيت الشافعي وهو نازل من الدرجة، وقوم في المسجد يتكلمون بشيء من الكلام، فصاح وقال: إما أن تجاورونا بخير، وإما أن تقوموا وتنصرفوا عنا].
قال: [قال أبو يوسف: من طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب الدين بالكلام تزندق].
قال: [قال عبد الرحمن بن حمدان: كان معي رفيق بطرسوس، وهو أبو علي بن خالويه، وكان معي في البيت، وكان قد أقبل على كتب الصوري والأنطاكي وأصحاب الكلام في الرقة، وكنت أنهاه فلا ينتهي، حتى كان ذات يوم جاءني فقال: أنا تائب، فقلت: أحدث شيء؟ قال: نعم، إني رأيت في هذه الليلة كأني دخلت البيت الذي نحن فيه، فوجدت رائحة المسك، فجعلت أتتبع الرائحة حتى وجدتها تفوح من المحبرة فقلت: إن الخير في الحديث].
قال: [قال مصعب: رأيت أهل بلدنا -أهل المدينة- ينهون عن الكلام في الدين].
قال: [قال مصعب: بلغني عن مالك بن أنس أنه كان يقول: الكلام في الدين كله أكرهه، ولم يزل أهل بلدنا يكرهون القدر ورأي جهم، وكلما أشبه، ولا أحب الكلام إلا فيما كان تحته عمل، فأما الكلام في الله فالسكوت عنه؛ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا ما كان تحته عمل].
قال: [قال سفيان بن عيينة: قال ابن شبرمة: إذا قلت جدوا في العبادة واصبروا أصروا وقالوا: لا الخصومة أفضل خلافاً لأصحاب النبي وبدعة وهم لسبيل الحق أعمى وأجهلُ] قال: [ذكر أن فتى من أصحاب الحديث أنشد في مجلس أبو زرعة الرازي رضي الله عنه هذه الأبيات فاستحسنه وكتبت عنه: دين النبي محمد أخباره نعم المطية للفتى آثار لاتعدلن عن الحديث وأهله فالرأي ليل والحديث نهار ولربما غلط الفتى أثر الهدى والشمس بازغة لها أنوار].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله تبارك وتعالى لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.